شجاعة الجهل .. الطريقة الأكثر نجاحًا لتدمير المجتمع
تاربة_اليوم / جواد النابهي
في رحلة ريفية في واحات وادي ترس حتى سوق الهياب ، رأيت مجموعة من المواطنين يتجمعون عند #المركزالصحيالهياب ، فدنوت منهم حتى وصلت إليهم ، وقررت أن اسألهم بعد أن قراتُ ما دوِّنَ في اللافتات التي يحملوها .. سألتهم لماذا تريدوا إغلاق المركز الصحي؟ ما هو المطلوب بالضبط؟ ولماذا إعادة فلان من الموظفين أو تسليم راتبه بالذات تطلبون؟
سألت أحدهم عن سبب خروجه أو بالأصح خروجهم؟ فكان جوابه بلا تفكير منه ، لتتناثر كلماته كـ شظايا الزجاجة إذا ألقيت على الحجارة في كل أتجاه ويشهق صديقه الآخر المقابل له مقاطعًا حديثه مسترسلًا لذلك ، أنهم لا يستلمون أي علاجات من المركز من يوم أن تم افتتاحه قبل إثني عشر سنة من الآن ، بل أن أغلب ما يُسلَّم لهم هو مُهدئات ليس إلا ، وأنهم يطالبو بإعادة فلان الذي تم استبعاده مؤخرًا إلى صيدلية المركز ، كونه ضحى من عمره إثني عشر سنة من دون مرتب أو راتب -سموه كما يلحى لكم- ، والسبب في ذلك كان يعمل بالتعاقد مع السلطة المحلية قبل تدخل المنظمة «ولم أفهم كلمة ضحى ، يعمل بالتعاقد ، دون راتب» ، وأنهم يطالبوا بتغير كل موظفي المركز رجالًا ونساء ، بما فيهم المعينين حديثًا كون الآخرين منهم من منطقة فلان «حددوهم بالإسم»
عرفت فيما بعد أنهم يحاولون منذ قرابة الشهر أو الشهرين تقريبًا ليس إعادة فلان من الناس إلى عمله الذي تم فصله منه بتعين شخص آخر من قبل مدير مكتب الصحة! حسب زعمهم ، لأن المذكور أصلًا يباشر عمله في صيدلية المركز وبكل تفاني ، والتقيت فيه بالصيدلية شخصيًا بعد الإعتداء على المركز من قبل من ينصبون أنفسهم للدفاع عن الحقوق وهم من اعتدى عليها ، فقلت لهم أن هذه التصرفات لا يرضاها الدكتور فوزي نفسه ، وبعد إلحاح في معرفة بواطن هؤلاء الأشخاص وبالتحديد حمدي حمود شمسان وفارس محمد حمود فهم من يريدوا إعادة المناطقية للمنطقة ، حيث تحدث بكلام فيه نوعًا من التهديد والتحدي الصارخ للسلطة المحلية الذي لم يكتفي بذلك بل وصل الأمر إلى تحدي الدولة برمتها.
هذا وعملًا بمهنية وشفافية تعزيزًا للمصداقية ، فقد قمنا بزيارة المركز الصحي ، فوجدت المرضى الذين ارهقتهم الظروف من أكثر من قرية داخل العزل القريبة منه ، ووجدت الدكتور بشير، والمرضى حوله كلًا ينتظر دوره لعرض ألم بجسده النحيل عليه ، لعله يجد الدواء لذلك الداء، والذي بدوره يوجه بعد المعاينة للفحص في المختبر التابع للمركز ، وبعد الفحص يقرر ما يلزم ، ووجدت الدكتور فوزي، داخل الصيدلية يصرف الأدوية بحسب وصفت الطبيب المذكور آنفًا ، بعدها قمت بجولة في أقسام المركز الصحي قبل أن أقوم بزيارة مديرة المركز الدكتورة رينا عبدالحفيظ ، والتي أفادت لنا أن المركز متعاقد مع (48) متطوعة إلى جانب العاملين والعاملات في المركز ، وهذا العدد يتوزع في ثلاث عزل: (الشعوبة – الانبوه – الجبزية) ، وذلك في القرى التالية: (جاحصة – صُران – المحجر – شعب حمران – الكنينة – شعب الذخري – الانبوه – بني شداد) ، حيث أن كل قرية تضم مجموعة من المحلات ، وذلك لتقديم خدمات الصحة الإنجابية والإسعافات الأولية في القرى المذكورة ، كون المركز الصحي يقدم خدماته للعزل المذكورة أعلاه -كما هو موضح في الخارطة المرفقة-.
هذا وبلغ عدد المرضى المستفيدين من خدمات المركز الصحي منذُ بداية هذا العام وحتى شهر سبتمبر الفائت – حسب الكشوفات الخاصة بالمركز – قرابة (4182) ذكور ، و (6291) إناث بإجمالي (10473) وبمعدل (1163) مريض ومريضة في الشهر الواحد ، هذا إلى جانب المستفيدين من الخدمات الصحية في قسم الرعاية الصحية الأولية المعالجة ما دون الخامسة أطفال في اليوم الواحد لا يقل عن (24) طفل ، بينما المستفيدين الذي تتجاوز أعمارهم خمس سنوات يوصل في اليوم الواحد (42) حالة مرضية ، هذه الأرقام في المعالجة فقط.
أما فيما يتعلق في قسم سوء التغذية الحاد الوخيم والمتوسط ، قبول جديد (6) أطفال ، ومترددين سوء تغذية لاستلام الحصص الغذائية الخاصة بهم بلغ (14) طفل و (11) أم سوء تغذية ، هذه الأرقام في اليوم الواحد فقط.
أما فيما يتعلق في التحصين ومتابعة الحوامل وتنظيم الأسرة ، حيث يتراوح العدد باليوم الواحد فقط ما بين (30/40) أم وطفل جديد ومتردد.
وأما هذه الأرقام الكبيرة للمستفيدين من خدمات المركز الصحي يتوجب على كل الشرفاء الوقوف ضد كل من يحاول إيقاف المركز ومن معه الذين يسعون إلى تدمير المركز الصحي وإيقافه عن العمل ، ولا نعرف ما هي الدوافع من جراء تلك الدعوات الغوغاء.
المؤسف جدًا عودة مرض من أمراض الجاهلية للظهور مجددًا ، مرض المناطقية ، وهو أسوأ صفات وطباع أبناء منطقتنا التي دفعنا ثمنها نحن جيل الوحدة ، وفي وقتنا الحالي بالذات ، حيث تفشّت هذه الظاهرة في أوساط مجتمعنا في السابق وأضحت مرض! فأصبح الصغير قبل الكبير يحمل في قلبه الكثير من الحقد والكراهية لأبناء القرى المجاورة لعزلته ، متناسيين أننا مسلمين، وأصحاب رسالة عظيمة، نملك قيم وعادات وتقاليد أصيلة، وهذه النظرة المناطقية بشكل جهري وعلني تمددت أكثر وأكثر حتى وصل الأمر الدعوى للخروج إلى المظاهرات ضد فلان لأنه من عزلة كذا إن لم يصل ذلك إلى الإعتداء بالضرب والشتم عليه .. وما يندى له الجبيين أن تأتي هذه المناطقية من مثقفين ومتعلمين بل ومعلمين جيل الوحدة ، بل أن ما يصيب القلب بالحسرة والألم أن يتحدث بعض وجهاء المجتمع بنظرة مناطقية جهوية عمياء.
لمثل هؤلاء أقول:
ليس من أخلاق وقيم الإسلام النظرة المناطقية ، فتلك قلة مروءة وصفة ذميمه ودنيئة! ومن الواجب أن ننصح بتدريب أنفسنا على تقبل الجميع ، أو على الأقل ﻻ نكون من الذين يظهرون المناطقية في تعاملاتهم ، أو نعمل على النشر عنها حتى ﻻ نتسبب في زراعة البغض والحسد والكراهية فيما بين أبناء المنطقة!
فلنطهر دواخلنا وقلوبنا بنوايا بيضاء نقية ترفعنا وتزكينا وتنصرنا في كل أمورنا ، فإن من يحمل نية حسنة ويعمل الخير ، سيؤدي ذلك إلى إيجاد السعادة في حياته ، أما من يحمل النية السيئة ويقوم بالفعل السيئ، فإن ذلك يسهم في إيجاد حياة سيئة ومعاناة في حياته.
والحياة تطيب مع من تصفو نواياهم ، فإن تهذيب النفس يكمن في تهذيب النوايا ، فقد نقل في الأثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: «ليس من طلب الحقّ فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه».
ويقول الحطيئة الشاعر الكبير:
من يفعلِ الخير لا يُعدم جوازِيهُ
لا يذهب العرفُ بين اللهِ والناسِ
ويقول الله عز وجل: ﴿من عمل صالحًا فلنفسه، ومن أساء فعليها ، وما ربّك بظلّامٍ للعبيد﴾ ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أحبّ الناس إلى الله، أنفعهم للناس).