أ. عشميل .. مُعلِمُ أجيال وعلَم من الأعلام الرجال
( تاربة_اليوم ) كتابات وآراء
بقلم /أ. محمد عبدالله بن عبدات
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024.
طالعتنا الأنباء صباح يوم الإثنين 2 جمادى الأولى 1446 هـ الموافق 4 نوفمبر 2024 م عن رحيله من دار الدنيا علَمٌ من أعلامِ مديرية تريم وكادرٌ تربويٌ هُمام ومعلمٌ وقدوةٌ لكثيرٍ من الأجيال ، مودعاً الأهل والأصدقاء والأحباب ، إنه الأستاذ والتربوي والمدير والأب والصديق الصدوق عشميل فرج اللُّمي بعد معاناته مع المرض تاركاً إرثاً علمياً وإداريا كبيراً ..
الأستاذ عشميل يعرفه القاصي والداني لتميزه وتفردّه بملكَة خاصة به كأنها ماركة مسجلةٌ بإسمه وهي نبرة صوته الجهوري مما أعطت له ميزة وكاريزما خاصة به كقائد مُهاب ولديه سمة الشخصية القوية الصلبة الجادة في التعليم والتفاني في أداء الواجب ..
وفي ضل تلك الشخصية القوية نرى الجانب الآخر لهذا المعلم والمربي التوّاق لروح الفكاهة والدعابة مع زملائه واصدقائه وعمال خدمات المدرسة وحتى طلابه ، ولايخلو درسه وجلساته من سرد او نكتةٍ أو قصةٍ أو عِبرةٍ ، كما أنه معلمٌ ناصحٌ وموجه لطلابه وحتى لزملاء المهنة من حُدثاء السلك التربوي..
جمعتني به كثيرٌ من الأزمنةِ واختلاف الأماكن مع استاذي المرحوم عشميل اللمي حين كنت طالباً في المرحلة الأساسية بمدرسة عيديد في تسعينيات الألفية السابقة حيث كان يدرس مادة الوطنية ، ترى فيه تجسيداً لحب الوطن أرضاً وعشقاً ..
درّس سنوات بمدارس مختلفة ولكن بعيديد استطاع ان يندمج مع أهلها وبساطتهم العفوية ، حتى انه يقول بالرغم اني منذ سنوات عديدة انتقلت من مدرسة عيديد الى مدارس واماكن مختلفة إلا ان البسطاء لازالوا يأتوني حتى بعد تقاعدي يحمِّلوني ملفات تسجيل ابنائهم في الصف الأول بالمدرسة ، بل أفرح بذلك وأجبر بخاطرهم وأذهب لمدير المدرسة مادمت قادراً على فعل ذلك وأسجل أولئك الأطفال لتلك الأسر البسيطة وأفرحهم وأفرح لفرحهم .. ليس بعد ذلك لطفٌ يا أبا هشام رحمك الله رحمة واسعة ..
كما التقيت به للمرة الثانية في بداية مشواري في مجال التدريس بمدرسة ابن خلون من عام 2006 حتى 2009 ، فكنت ألتمس الوقت لكي أَهِلَ من تلك الهامة التربوية السامقة شيئاً من شخصيته ومعرفته وعفويته ونصحه، فكان رحمه الله يقول لمن في المكتب أنظروا ويشير إليَّ ويقول هذا من طلابي وأحد ثمار تدريسنا ، فكنت فخوراً بذلك وربما كان ذلك أحد الدوافع التي جعلتني أجتهد لأن أكون مثابراً وناجحاً حتى لا أخيب ظن استاذي أبا هشام وشهادته في . .
ومن الدعابات التي لم أنسها بل كانت علامة ودلالة فارقة لتلك الشخصية الشمّاء كالنجم اللامع في السماء، حيث كنا مجتمعين بمكتب مدير المدرسة آنذاك الأستاذ المربي محفوظ نصر ديب الله رحمه الله تعالى .. حيث تساءل أحد المعلمين (مداعباً) قائلاً يا أستاذ عشميل أنت في سنواتك الأخيرة في التدريس والتربية والتعليم ، تعطي نصائحك ولكن أعتقد انك لم تعد تحضّر دروسك كتابياً مثلنا ، فنهض الاستاذ عشميل من مكانه كالأسد مستعرضاً هيبته كملك حتى صمتنا.. نظر إلينا ثم قال للمعلم السائل ، ان هؤلاء هم من سيحكم بيننا في تحضير الدروس ، أعرض كراس التحضير حتى حصص اليوم وأنا سأفعل كذلك، وبالفعل المعلم عرض كراسته وبها تحضيره ومن ثم أخرج الأستاذ عشميل كراسته للتحضير ، أذهلتنا جميعاً بمافينا المعلم السائل ، حيث كان التحضير كأنه تحفةٌ فريدةٌ ليس فقط بتخطيطه للدرس ووضع اهدافه واجراءاته او امثلته وتقييمه وإنما بطريقة عرضه حيث كان رحمه الله يرسم على ورقة التحضير ورقةٌ أخرى بإبداع كأنها ورقة فوق ورقة مستخدماً الألوان وخطٌ جميلٌ متنوع الألوان وتنسيق خيالي فريد.. بعد أن أخذنا ذلك في ذهول طلب السائل من الاستاذ عشميل ان يسامحه على سؤاله الذي جرح كبريائه بالرغم انه في آخر سنوات عمله والتقاعد قاب قوسين ..
وما كان من جمعٍ غفيرٍ في جنازته إلا دلالة على احترام وحب الناس له.. رحم الله أبا هشام وغفر الله له وأسكنه الله الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.