عبدالعزيز عمّار عصر من النور والارتقاء
كتب – خالد لحمدي
تعلّمت منه الأدب والمعرفة وحُب الثقافة والإبداع والمبدعين .
كنت حينها طالبا في الصف السادس الابتدائي بمدرسة ١٤ اكتوبر بالعنين وكان هو معلّمي وأستاذي ومُربّي جيل ناضج تتلمذ على يديه.
كان أحد المعلمين الأجلّاء الذي أبتهج بدرسه وحصصه التي أحرص على حضورها والإصغاء إليه بإمعان وشغف .
وقد أخذني إلى عوالم المسرح والكُتب وقراءة كل ما يقع تحت يدي من نشرات ومجلات كانت تضج بها مكتبة المدرسة والأجمل حين أشركني في إعداد وكتابة المجلّات الحائطية التي كنّا نصدرها على جدران المدرسة وأذكر حين قال لي يوماً :
اعتن بخطّك فهو جميل .
كنّا حينها نكتب المجلّات بأقلامنا وحبر ذلك الزمن النقي .
وحين عملت في مكتب الثقافة بالمديرية كان هو مديري الذي أتعلّم منه ، وكنت مصغياً لتوجيهاته وملاحظاته اليومية الصائبة .
تلميذ مبحرٌ في عوالم تمسك ببداياتها , تأخذك نحو تيارات الدهشة فلا تشعر بانغمار الروح في بحار التألق فتسعى للإمساك بوهج النور وكل يوم ترى وتسمع المفيد .
أخذني في دروب لم أكن أعرفها ولم أقرأ عنها شيئا .
الأدب ، الموسيقى ، الشعر ، القصة ، الرواية ، المسرح ، ودفع إلي بكثير من روايات الأدب الروسي والعربي وحدّثني عن كثير من الأدباء والكُتّاب المُجيدين .
تشيخوف و حنامينة ودوستويفسكي و تولستوي ونجيب محفوظ وباكثير و حيدر حيدر و جبرا إبراهيم جبرا و آخرين .
الأستاذ والباحث والكاتب المسرحي عبدالعزيز عمر عمّار .
مثقّف كبير ينتمي لهذه الأرض ويغتسل بفيوض ضوئها وشمسها المتعبة .
مُضيئاً كزمن مرّ هنا مصبوغاً بالنضج والاقتدار ، يعانق الصبح بصمت وأخيلة ملأى بالسمو والأمل .
أبحث فيك عن قبس خُنق في أعماق الليل الملوّث بالعتمة والانحدار ، وأتساءل بوحشة : متى يُمسِك المحارب بالنصر في فضاء مغطّى بالأقنعة والاختناق ، وكيف تكون الرؤى في سفر موشّى بالدجل والعطب .؟
فأنت من أسّست في السبعينيات إذاعة صوت قوى التحالف بمديرية القطن رفقة أساتذة أجلاء أبرزهم الأستاذ علي صلاح لرضي وآخرين، وقدّمت من خلالها الدراما المحلّية والقصائد والأغاني السامية وخاطبت زمناً يُقدّس الرُسل ويعانق المناضلين .
وتبوّأت كثيرا من المهام والمناصب الإدراية ووضعت أسس ومعنى النهوض والتجلّي وجئت بما لم يجئ به أحد ، وكتبت فوق الغيم مجداً معمّداً بتاريخ وسجلات وطن مخضّب بالحق وصوت المخلصين .
أعي أن اللحظة مرتجّة ومسام الروح معطوبة ومدينتي سفينة فقدت أشرعتها وأصابها الوهن والدوار ، وشتّان بين ماض تنامى، وحاضر مخصي بالسلب والبلادة .
لن يستطع أحد وأد الفجر أو سلب خيوط النهار ، و ستظل ذلك الأرث الحضاري والتاريخي وأعظم من سطّر الكُتب والمؤلفات التي صدرت والتي لم تصدر بعد ، وثق جيدا أن أبواب النور لن تفقد مفاتيحها ولن ينكسر الرمح المنحوت بالصدق ولن تطمره الرمال وسيبقى ما سطرته مآثر تعانق ربيعاً قادماً تحتضنه العصافير وتراتيل الفتح والبناء . وستظل من يغسل وجه القبح في زمن ساذج
لا يعرف وجهة الحق واليقين .