الحكم الذاتي بحضرموت بين اعتبارات السياسة والواقع ..
بقلم / أكرم نصيب أحمد العامري
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024
حضرموت المنطقة الجغرافية الأهم مساحة وثقافة ومدنية وثروة في خارطة اليمن وازدادت أهميتها الجيوسياسية خلال فترة الصراع السياسي والعسكري المستمر واستطاعت النأي بنفسها عنه بفضل عدة عوامل ليس مجالًا للحديث عنها في هذا المقال، وكثيرة هي مساعي أبناء حضرموت لخلق واقعًا سياسيًا واداريًا يمكنها من الحد الأعلى من إدارة شؤونها بنفسها وكل الأدبيات والمواقف السياسية لأبناء حضرموت تؤكد ذلك وتسعى إليه وآخرها مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع المعلن عنها في ابريل 2017م والتي وضعت الأسس والمبادىء التفصيلية لتعزيز اللامركزية في إدارة حضرموت إداريًا وماليًا وامنيًا، وبعيدًا عن تقييم تلك المحاولات بالنجاح والفشل إلا أنها تؤكد انها غاية يؤمنون بها لا سيما في أوقات الصراعات التي تحيط بها.
مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت أعاد طرح وتبني تلك الغاية بالمطالبة مؤخرًا بالحكم الذاتي بحضرموت ويرى أن ذلك الهدف هو مفتاح الحل لمشاكل حضرموت الخدمية والمعيشية والسياسية ويجنبها آثار وصراعات المحيط بها المتباين سياسيًا وعسكريًا .
أن الفهم السياسي للحكم الذاتي ذو أهمية كبيرة لتشكيل الوعي الجمعي بشأنه ودراسة آليات الوصول إليه والتحديات التي يمكن مواجهتها وقبل ذلك نتائجه على حضرموت خصوصًا والوطن عمومًا .
الحكم الذاتي نظام سياسي و إداري يمكن مساحة جغرافيه كمحافظة أو إقليم ..الخ صلاحيات واسعة لإدارة شؤونها الداخلية مع بقائها جزءا من الدولة المركزية، ويهدف هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين متطلبات وحدة الدولة وبين تحقيق تطلعات المحافظة أو الإقليم، ولذلك فالحكم الذاتي ليس انفصالًا عن النظام السياسي للدولة وإنما آلية لتنظيم الصلاحيات بين المركز والإقليم أو المحافظة يكون فيها الإقليم أو المحافظة صاحبة الصلاحيات الأوسع في إتخاذ القرارات المتعلقة بالإقليم إداريًا وخدميًا وامنيًا واقتصاديًا..
وتزداد أهمية الحكم الذاتي حينما يكون المركز للدولة في حالة من الضعف سواء لأسباب سياسية أو عسكرية مما تجعله غير قادر على الاستجابة السريعة لاحتياجات الإقاليم أو المحافظات .
ولما أن الحكم الذاتي أساسه تمكين الإقليم من صلاحيات واسعة في الإدارة واتخاذ القرارات المتعلقة بالإقليم بكافة شؤونه فإنه يحقق بذلك توفير الخدمات بفعالية وكفاءة أكبر وتلبية احتياجات المجتمع المحلية كما انه يحافظ على الهوية والخصوصية الثقافية والمدنية للإقليم أو المحافظة ويؤدي إلى تهدئة التوترات والصراعات محليًا وعدم تأثرها بالصراعات حول المركز، كما يؤدي إلى تشجيع وجلب الاستثمار وتوفير بيئة آمنة له وفق ومصالح الإقليم أو المحافظة ومتطلباتها مما يجعل التطور سريعًا في التنمية المحلية واكثر تناسبًا مع اولويات احتياجات المجتمع.
ولذلك فالحكم الذاتي صورة من صور اللامركزية يقوم على نقل صلاحيات إتخاذ القرار من المركز إلى الإقليم مما يمنحها قدرة أكبر في إدارة شؤونها المحلية، كما انها تشجع على المشاركة الشعبية في صناعة القرار وزيادة مساحة الحوار بالشأن العام وتؤدي إلى احترام أكبر للتنوع الثقافي والسياسي بالمحافظة مما يعزز المشاركة السياسية والتمثيل العادل .
لنجاح الحكم الذاتي في حضرموت يستوجب التعامل مع مجموعة من التحديات التي تفرضها حالة عدم الاستقرار السياسي العام سواء المتعلقة بحالة الاحتراب والصراع السياسي والعسكري أو المتعلقة بتقييم المقومات المحلية بحضرموت والتي يرتكز عليها الحكم الذاتي وهي قوة مؤسسات الدولة وكفاءتها وفعاليتها ومستوى الشفافية والفساد وتحديات تتعلق بتوفر الإرادة المشتركة للحوار بين السلطة المركزية وحضرموت تؤدي إلى صيغة تعاقدية لتفويض الصلاحيات في الإدارة وإتخاذ القرار تتجاوز قيود الصيغ القانونية النافذة والتي تجاوزها الواقع العام وحالة الحرب ونتائجها وتتجاوز القصور القانوني في تنظيم الحكم الذاتي واللامركزية الادارية عمومًا .
واقعيًا تتوفر الإرادة الشعبية الواسعة بحضرموت لتحقيق الحكم الذاتي كما ان مقومات نجاحه الواقعية بمستوى مقبول ويحتاج توفر الإرادة لقيادة حضرموت في تعزيز المقومات الأخرى وأهمها تعزيز كفاءة وفعالية المؤسسات وتعزيز الشراكه المجتمعية في إتخاذ القرار وتجفيف الفساد ومنابعه، كما أن الإرادة السياسية المركزية متوفرة بمجلس القيادة الرئاسي الذي يعي جيدًا حجم التحديات المركزية التي تواجهها الدولة اليمنية سياسيًا واداريًا واقتصاديًا وعسكريًا وان تعزيز اللامركزية هي أحد أهم المعالجات التي يستوجب المضي فيها، كما أن تصريحات فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي اكدت في أكثر من مناسبة دعمه لبناء نموذج في حضرموت يقوم على تعزيز اللامركزية وتوسيع الصلاحيات في الإدارة وإتخاذ القرار وسيظل القدرة على فتح حوار منتج وصادق ومسؤول بين السلطة المركزية وحضرموت ممثلة بمختلف قواها السياسية المؤثرة وعلى رأسها مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت الخطوة الأولى لوضع أسس الحكم الذاتي بحضرموت وليكون نموذجًا يمكن تعميمه على كل محافظات اليمن .
* الأمين العام لمؤتمر حضرموت الجام
ع