حضرموت والخيارات المصيرية
كتب / سالم علي بامخرمة
السبت 28 ديسمبر 2024
مشهد الغريق وهو يحاول الإمساك بقشة علّها تنقذه ربما يثير استغراب الناظر إليه من بعيد، لكن اللحظة التي يعانيها الغريق وهو يصارع الموت جعلته يفقد التفكير في حقيقية الجدوى من الإمساك بتلك القشة، ويبذل جهده للوصول إليها.
ولقد جرّت الظروف المعيشية -غاية الصعوبة- كثير من المواطنين للبحث عن منقذ دون مراجعة لمؤهلاته وبرامجه، أو النظر إلى تصرفاته داخل كيانه وهيئاته والتي تشكل نموذجا مصغّرا لإدارة البلاد، كذا وطريقة تعامله مع الخصوم وتقبّل النقد الذاتي، القضية ليست عابرة بل مصير ترتبط به الأجيال، وهنا تكمن مسؤولية الاختيار.
إن هذه الظروف المعاشة شكّلت بيئة ملائمة لفتح دكاكين سياسية عديدة لاتنتج سوى أفرادا مُعاد إنتاجهم من جديد وبأقنعة مختلفة مستخدمة المال والإعلام مطيّة.
كما أن حالة الفوضى التي نعيشها ليست عفوية ولكن تم إيصالنا لها بعناية فائقة ومدروسة، الغرض منها تطويع المجتمع وتسهيل انقياده نحو ما يُخطط له سياسيا بعد القضاء على جدران الثقة في أي قيادة وطنية ممكن أن تظهر، وبث روح الإحباط والاستسلام، ونشر حالة الفوضى.
حضرموت لن تكون سكينا في خاصرة الجنوب، وكذا ليست ذيلا في المشروع الوطني الجنوبي، الجنوب الذي جمعنا به الدم المشترك والعدو المشترك، ومن قبل ذلك وشائج مجتمعية وتاريخ طويل لا يتسع المقام لسرده والحديث عنه، حتى أننا أسقطنا معا منظومة الاحتلال اليمني البغيض الذي سلب من حضرموت ثروتها وهويتها وكيانها.
لسنا في حالة رضى عن واقع المشروع الجنوبي بشكل عام، وحالة المجلس الانتقالي الجنوبي الحالية بشكل خاص، ولكن لاتُجبرنا هذه الحالة (السخط) للذهاب نحو تحقيق أهداف المحتل اليمني، خصوصا إذا علمنا يقينا أن ما نشكو منه في المجلس الانتقالي من غياب الديمقراطية وتغييب اللوائح وغيرها، هي ذات المشاكل موجودة لدى معظم المكونات السياسية، ومنها الحضرمية.
تبقى مسألة تحديد مصير حضرموت في خضم الصراع السياسي المحتدم مثار الجدل، ولحضرموت من خلاله ثلاث خيارات أساسية:
٭ إما أن تكون إقليما مع اليمن ولنا تجربة مريرة معهم في نقض العهود والمواثيق، وخلاله حضرموت ستمثل ثلث المساحة و٦٪ من السكان وليس للحضارمة أي تأثير في عاصمة الدولة (صنعاء)
٭ أو إقليم مع الجنوب وخلاله ستمثل حضرموت نصف المساحة و٣٥٪ من السكان، وللحضارمة تأثير تجاري وثقافي وديني في عاصمة الدولة (عدن).
٭ أو المطالبة بدولة حضرموت وهو مطلب بعيد المنال وفقا للمصالح الإقليمية والدولية والمحلية، ولن تسلم معه حضرموت من التدخلات في شؤونها وبث الانقسامات الاجتماعية والسياسية باستخدام المال المدنس.
إذا فكرنا جيدا سنعرف مصلحة حضرموت الحقيقية مع أي المشاريع الثلاثة، وأما المطالبة بالحكم الذاتي لحضرموت دون تحديد الموقف من شكل الدولة (اليمن/الجنوب) هو إبعاد حضرموت من التأثير في تحديد شكل الدولة وتحييدها، وهي مناورة سياسية لن يُكتب لها النجاح لأسباب أهمها:
١. غياب التفاعل الشعبي الواسع ٢. الرفض المحلي ٣. غياب الدعم الإقليمي والدولي.
القرارات السيادية لا يقررها مجموعة بذاتهم دون غيرهم إن لم يتحصلوا على أغلبية مجتمعية، مع مراعاة الفئة التي بذلت تضحيات عظيمة (شهداء- جرحى- معتقلين) في مواجهة النظام البائد وصولا لهذه اللحظة التي ننعم بها اليوم، وحتى يتشكل هذا الإجماع أو الأغلبية المجتمعية للقرار السياسي، حضرموت بحاجة لحراك مجتمعي ضد الفساد والمفسدين وتحقيق مبدأ الشفافية وهو ما سيعزز الثقة وسيبرز قادة يظهرون من وسط المعاناة ويلتحمون بالجماهير، يستقوون بها لا عليها، ويبرزون خصوصية حضرموت وتنوع نسيجها الاجتماعي المتعايش منذ مئات السنين..