حضارمة المهجرالوجه المشرق
تاربة_اليوم /كتابات واراء
كتب /محمد احمد بالفخر
2 يناير 2025
دُعيت من قِبَل إدارة منتدى ثلوثية بامحسون الثقافي بالرياض لتقديم محاضرة عن الدور الإيجابي للمهاجرين الحضارم تجاه وطنهم الأم مساء الثلاثاء في مقر المنتدى عنوانها (حضارمة المهجر الوجه المشرق) وبكل تأكيد قبلت الدعوة وحضرها عدد من المهتمين بالتاريخ الحضرمي وفي مقدمتهم رئيس المنتدى وكذلك عدد آخر عبر القاعة الافتراضية،
وقد قلت أنّ الموضوع الذي سأتحدث عنه هو شيّقٌ وشائك في نفس الوقت،
شيقٌ لأنني كحضرمي سأتحدث عن جوانب مشرقة ومضيئة من تاريخ الآباء والأجداد ليستنير بها الأبناء والأحفاد،
وشائك لأنني لن أستطيع أن أفيه حقه كاملاً في محاضرة محددة بزمن قصير، والموضوع الذي سأتحدث عنه موضوع في غاية الأهمية سلكه الكثير ولكنني سأكتفي ببعض النماذج فقط،
ولمن يسأل من هم حضارمة المهجر؟
فنقول هم الحضارم الذين غادروا أرض حضرموت وقطنوا بلدانٍ شتى في كافة انحاء المعمورة طوال فترات زمنية متباعدة،
وكما قال الرحالة البريطاني السير ريتشارد فرانسيس برتون
(من المستحيل أن تشرق الشمس على أرض لا يوجد فيها حضرمي)
وبطبيعة الحال الهجرات الحضرمية وقصصها كثيرة جداً وقصص نجاحات الحضارمة في مهاجرهم متعددة ومتنوعة وتحتاج الى دراسات كبيرة ومتخصصة وقد عُقِدَتْ مؤتمرات في بعض الجامعات الغربية تحدثت عن هذه النجاحات التي تحققت للكثير منهم،
وقد كان حديثي في المنتدى عن النماذج الأبرز لهذه الشخصيات التي جعلت حضرموت نُصب عينيها، والمعاناة والآلام التي يعيشها الأهل والأقارب في الواقع الحضرمي في ذلك الوقت كانوا يبحثون لها عن حلول، ولهذا سعوا بحسب قدراتهم التخفيف عن أهلهم وعملوا وفق الأولويات المتاح تنفيذها،
وبدأت بالمهجر الآسيوي وكانت أبرز الشخصيات التي خلّدها التاريخ من أُطلِقَ عليه في ذلك الوقت لقب زعيم حضرموت السيد أبوبكر بن شيخ الكاف الذي ولِد في سنغافورة عام 1887م وعاد به أبيه الى حضرموت وعمره خمس سنوات كعادة الحضارم يعيدون أولادهم للبلد ليتربى تربية صالحة وتتجذر في اعماقه محبة الأرض الحضرمية، فنشأ الكاف وترعرع في مدينة تريم المباركة في كنف أبويه، في بيئة تزخر بكثير من العلماء والصلحاء والمربين، كما هو معروف عن تلك المدينة على مدى التاريخ والأزمنة.
وقد كان ميّالاً منذ صغره إلى حل مشكلات الناس،
فنشأ بفطرته محباً للإصلاح،
وكثيراً ما كان يستطلع حالة البلاد العامة، ويسعى في مساعدة المظلومين بما تسعه قدرته، ويعمل على الإصلاح بين القبائل، وساعده في الوصول إلى هذه الغاية النبيلة فطرته السليمة، وعبقريته الفذة التي بُذِرَت فيه منذ نشأته، وسخائه وصراحته والإخلاص الذي كان يملأ قلبه.
وقد كان أيضاً بعيد النظر، كثير التجارب، واسع الاطلاع، حاضر البديهة، لا تبدو عليه غير الابتسامة الدائمة، وقد عُرِفَ في حضرموت بأنه أباً للجميع،
وكان مجلسه لا يخلو من ضيوف،
ومن أهم أعماله وانجازاته:
دوره البارز في صنع السلام وإطفاء نار الحروب المشتعلة في حضرموت وسعيه الدؤوب في إنهاء الثارات بين القبائل.
وقد قام بإنشاء وتعبيد طريق الكاف وهو أول طريق يربط وادي حضرموت بالساحل ويبدأ من مدينة تريم وينتهي في مدينة الشحر، وبدأ العمل فيه عام1924م وانتهى عام 1937م.
وهو أول طريق يُعبّد بحضرموت لمرور السيارات يقوم به فرد واحد على نفقته الخاصة،
ولمّا حلّت المجاعة في العام الثلاثين من القرن الماضي، لم يقف الكاف مكتوف الأيدي والجوع يفتك بالبلاد، بل هب لمساعدة الناس؛ فأنشأ المطابخ للمصابين بالمجاعة،
وقد قررت حكومة بريطانيا منح السيد ابوبكر لقب سير تقديرا لجهوده في إحلال السلام بين القبائل في حضرموت والصرف من أمواله الخاصة لتحقيق ذلك،
وقد طُلِبَ منه الركوع حسبما تقتضيه البرتوكولات المتبعة في مثل هذه الاحتفالات أمام الملكة اليزابيث وهي في ريعان الشباب أثناء زيارتها لعدن،
فغضب الزعيم أبوبكر لهذا الطلب وأعلن رفضه الركوع أمام الملكة وقال: أنا مسلم والمسلم لا يركع إلا لله، وقد أحدث هذا الرفض جدلاً كبيراً على منصة الاحتفال، إذ لم يسبق لأحد رفض هذا الأمر من قبل، وأصر الزعيم أبوبكر على موقفه، حتى أُسْتُثنِي من الركوع أمام الملكة بإحضار كرسي ثَنَى ركبته عليه.
هذا باختصار ما تحدثت به عن النموذج الحضرمي الأول وسنستعرض البقية في الأسابيع القادمة بإذن الله.