ترى الناس سكارى وما هم بسكارى
مقال لـ /أشرف قطمير
الجمعة 3 يناير 2025
في حضرموت اليوم، حيثما تضع قدمك، تجد الجوع قد غزا النفوس وملأ الأرض همًا. يظن الناظر إلى الناس أنهم في غفلةٍ أو سُكر، لكنهم في الحقيقة ليسوا بسكارى، بل هم جائعون، قلوبهم تقرع من أوجاع الفقر وأجسادهم مثقلة من وطأة الزمن. كم من شوارعٍ مرت بها أقدام جائعة، كم من بيوتٍ تأوي بين جدرانها أوجاعًا لا تنتهي؟ كيف لحضرموت التي كانت يوما أرض الذهب والنفط أن تتحول إلى أرضٍ يلتهم فيها الجوع من يسكنها؟
تجد الرجل يسير على قدميه وكأنما هو محاربٌ على أرض معركة، تتناثر فيه آلام الديون، وتزدحم في صدره هموم الأمل المفقود. ليس بين يديه سوى رغيفٍ بالكاد يسد جوعه، وأملٍ ضائع في الأفق. وإن نظرنا إلى حالهم، رأيناهم كأنهم سكارى، عيونهم مشوشة، لا يعرفون من أين تأتي قوتهم ولا إلى أين يذهبون. الأرض مليئة بالكنوز، لكن الناس يعيشون في فقرٍ يكاد يقتلهم. هل أصبحت الثروات ملكًا لأولئك الذين لا يعرفون عنها شيئًا؟ أم أن هذه الأرض قد فقدت هويتها، وحُجبت عن أهلها خيراتها؟
تجد دفاتر البقالات ملأى بالديون، يشتكي أصحابها من هموم لا تنتهي، وتفتجع من قصصٍ تملأ الآذان عن معاناةٍ لا يصدقها العقل. كيف لأرضٍ غنية بكل شيء، أن تترك أهلها يغرقون في الجوع؟ كيف لعوائلٍ كانت تملك قوت يومها أن تجد نفسها في شوارعها تبحث عن لقمة؟ ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، بل جائعين، يعيشون في مدينةٍ تأبى أن تمنحهم ما هو حقهم، وفي وطنٍ لا ينصفهم ولا يُعطيهم من خيراته شيئًا.