ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

استكمالا لمقالنا السابق في الأسبوع الماضي الذي بعنوان من أسقط حكم بشار الأسد نكمل المقاله السابقة

استكمالا لمقالنا السابق في الأسبوع الماضي الذي بعنوان من أسقط حكم بشار الأسد نكمل المقاله السابقة

بقلم / خالد الصيعري
الاحد 5 يناير 2024

الدول التي دعمت نظام الأسد والتي دعمت المعارضة السورية وماهية الأهداف التي سعت لها هذه الدول لتحقيقها من خلال هذا الدعم للطرفين

منذ بداية النزاع السوري في عام 2011 م شهدت البلاد صراعاً دموياً بين النظام السوري والمعارضة تداخلت فيه الأبعاد السياسية والإقليمية والدولية مما جعل من الصعب التواصل إلى حل سلمي حيث لعبة عدة دول عربية ودولية دوراً محورياً في دعم المعارضة السورية ولكن ماهي الأهداف التي سعت لتحقيقها من خلال هذا الدعم

تركيا الجارة القوية

تعتبر تركيا من أبرز الدول التي دعمت المعارضة السورية من الدول التي دعمت نظام الأسد والتي دعمت المعارضة السورية منذ بداية الصراع اتخذت الحكومة التركية موقفاً حازماً ضد نظام بشار الأسد وكان من بين الأسباب الرئيسية لهذا الدعم

الأمن القومي حيث رأت تركيا أن استمرار النزاع في سوريا يشكل تهديداً لأمنها القومي خاصة مع تزايد نفوذ الأكراد في شمال سوريا الأمر الذي قد يعزز من مطالب الأكراد داخل تركيا .

الدعم اللوجستي والمالي: حيث قدمت تركيا دعماً لوجستياً ومالياً كبيراً للمعارضة بما في ذلك توفير المساعدات الإنسانية وإقامة معسكرات تدريب للمقاتلين .

الضغط السياسي : سعت تركيا إلى تشكيل تحالفات مع فصائل المعارضة مما عزز من موقفها في المحافل الدولية

قطر الداعم الإقليمي

قطر كانت أيضاً من الدول الفاعلة في دعم المعارضة السورية حيث قدمت الدعم المالي والسياسي وكانت أهداف قطر من هذا الدعم تشمل :

توسيع النفوذ الإقليمي : سعت قطر إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم قوى المعارضة التي تتبنى رؤية مماثلة لرؤيتها السياسية

المساعدات المالية : قدمت قطر مبالغ ضخمة لدعم الفصائل المسلحة بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من النزاع

الدبلوماسية النشطة : لعبت قطر دوراً في محادثات السلام حيث استضافت مؤتمرات للحوار بين مختلف فصائل المعارضة

السعودية القوة التقليدية

لم تكن السعودية بعيدة عن الساحة إذ قامت بدعم المعارضة السورية بطرق متعددة ومن أبرزها

الدعم العسكري : قدمت السعودية مساعدات عسكرية للمعارضة بما في ذلك الأسلحة والذخائر مما ساعدها على مواجهة نظام الأسد

التحالفات الإستراتيجية : عملت السعودية على تشكيل تحالفات مع دول عربية أخرى لدعم المعارضة مما ساهم في تعزيز موقفها .

الجهود الدبلوماسية: شاركت السعودية في المحافل الدولية داعية إلى اتخاذ إجراءات ضد نظام بشار الأسد وداعمة لمؤتمرات السلام

التحديات والمشاكل

على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته هذه الدول إلا أن هناك عدة تحديات واجهتها المعارضة السورية منها

التشرذم والتنافس : تفتت المعارضة إلى عدة فصائل مما ساهم في ضعف التنسيق بين القوى المختلفة

النفوذ الإيراني زادت من تعقيد الوضع في سوريا حيث دعمت ايران نظام بشار الأسد مما جعل جهود المعارضة أكثر صعوبة

الوضع الإنساني تفاقمت الأوضاع الإنسانية في سوريا مما أضاف أعباء أضافية على الدول الداعمة

دور النظام الإيراني في دعم بشار الأسد في سوريا

عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا في مارس 2011، صنّف الولي الفقیة للنظام الإيراني علي خامنئي الانتفاضة بأنها “مؤامرة غربية”. بحلول منتصف عام 2011، أرسل النظام الإيراني قوة القدس بقيادة قاسم سليماني إلى دمشق لدعم قوات الأسد في قمع الاحتجاجات.

وفي عام 2012، وسّع النظام الإيراني دوره بتشكيل “قوات الدفاع الوطني”، وهي ميليشيا شبه عسكرية دربتها وجهزتها قوات الحرس للنظام الإيراني. وعملت هذه القوات في مواقع رئيسية مثل حمص وحلب وضواحي دمشق. وبحلول عام 2013، كان هناك أكثر من 10,000 عنصر من حرس النظام الإيراني في سوريا، حيث خصصت طهران ما يقدر بـ 6 مليارات دولار سنويًا لدعم نظام الأسد.

الوكلاء الإقليميين

مع تعرض قوات الأسد لخسائر إقليمية كبيرة عام 2013، أصبحت شبكة وكلاء إيران محور الجهد الحربي. قاد حزب الله اللبناني، وهو وكيل إيران الرئيسي، هجومًا في القصير (مايو 2013)، المدينة الإستراتيجية القريبة من الحدود اللبنانية.

وخلال هذه الفترة، جند النظام الايراني مقاتلين من مجتمعات أفغانية وباكستانية فقيرة، وشكل ألوية مثل “لواء فاطميون” و”لواء زينبيون”. شاركت هذه القوات في معارك محورية، منها حصار حلب (2016)، حيث أدت الهجمات العشوائية إلى تدمير البنية التحتية المدنية.

وبحلول عام 2015، كانت سيطرة نظام الأسد على 20% فقط من الأراضي السورية. في يوليو 2015، سافر سليماني إلى موسكو لضمان الدعم الجوي الروسي، مما أدى إلى حملات منسقة لنظام الإيراني الروسي.

وعزز النظام الإيراني المالي حيث ضخت طهران 15 مليار دولار سنويًا لسوريا، مولت شحنات الوقود والأسلحة ورواتب أكثر من 80,000 مقاتل أجنبي.

الأسلحة الكيميائية والدبلوماسية العالمية 2013–2018

امتد تدخل النظام الإيراني إلى دعم الهجمات بالأسلحة الكيميائية. وبعد هجوم الغوطة الكيميائي (أغسطس 2013)، أشارت التقارير إلى أن مستشارين إيرانيين ساعدوا في دعم لوجستي لترسانة الأسد الكيميائية.

وبحلول عام 2018، تحولت سيطرة نظام ايران في سوريا إلى استراتيجية احتلال طويل الأمد. سيطرت الميليشيات المدعومة من النظام على معابر حدودية رئيسية مثل البوكمال، مما أتاح تدفق الأسلحة والمقاتلين.

الدور الروسي :

ظهرت روسيا بشكل مستمر أنها المتحكم الأساسي في قرار النظام السوري والمسار السياسي للأزمة، فهي تشرف على مسار اللجنة الدستورية الذي يبدو أن طهران غير متحمسة له، كما أن موسكو شرعت في تأجيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سوريا بضعة أشهر، قبل أن تعطي الضوء الأخضر لإجرائها وفق حساباتها السياسية الخاصة

ومن المهم لموسكو أن تبلغ سوريا مرحلة الاستقرار، لأن هذا يتيح لها استقطاب أموال إعادة الإعمار الدولية، لكن هذا الاستقرار يعني بالضرورة ضبط تحركات المليشيات المرتبطة بإيران، وإخراج المقاتلين الأجانب الذين جلبتهم طهران من أفغانستان وباكستان ولبنان وحتى المقاتلين الإيرانيين من أجل تأسيس نفوذ لها، والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الجغرافية السورية، والهيمنة على محافظات حساسة لتأمين المصالح الإيرانية، مستخدمة من أجل ذلك أسلوب التغيير الديمغرافي، في حين تجد إيران أن الوضع الحالي هو الأفضل لبقاء مصالحها والحفاظ عليها، حيث إنها تنشط في “حالة الفوضى”.

أموال إعادة الإعمار التي سيكون مصدرها الأساسي من الخليج العربي ودول الاتحاد الأوروبي، وربما الصين، لن تتمكن روسيا من استقطابها من دون تعهدات حقيقية تتضمن تقليص نفوذ إيران، وقد أظهرت موسكو أكثر من مرة استعدادها لذلك مقابل تفاهمات دولية تحقّق لها مكاسب في الملف السوري، فقد عقد بوتين تفاهمات مع نتنياهو أتاحت لإسرائيل الاستهداف المتكرر للمليشيات الإيرانية على الأراضي السورية من دون اعتراضات إيرانية تُذكر، ودخلت موسكو في تفاهم مع تركيا بعيدًا عن المصالح الإيرانية، كما أنها استثمرت على نحو متكرر في ورقة المليشيات الإيرانية لحسابات خاصة بها، ويبدو هذا ما يحدث حاليًّا في الجنوب السوري، حيث تلوح روسيا بعصا المليشيات الإيرانية من أجل تحقيق مكاسب جديدة.

يُضاف إلى كل ما سبق ملف مهم يُبرز تضارب المصالح الإيرانية-الروسية في سوريا، وهو ملف الصراع على الثروات والطاقة، إذ تضع روسيا نصب أعينها النفط والغاز في حوض البحر المتوسط، والسعي للاستحواذ على مخزون الفوسفات الطبيعي، وتلك التحركات تتصادم مع المساعي الإيرانية الرامية إلى استكمال خط الغاز باتجاه أوروبا عبر البحر المتوسط

لمَ سمحت إيران بسقوط بشار الأسد؟

شهدت إيران في العام الماضي وحده تفكّك قيادتها وسيطرتها في سورية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2023، أدّت الهجمات الإسرائيلية على دمشق إلى اغتيال سيد رضا موسوي، أحد كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني، الذي كان بمثابة القناة الرئيسة للمصالح الإيرانية في سورية. وقد تبعت هذه الضربة ضربةٌ أكثر أهمية في 1 نيسان/أبريل 2024، عندما استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز “إف-35” القسم القنصلي في السفارة الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل الجنرال محمد زاهدي، القائد السابق للقوات البرية في الحرس الثوري الإيراني. في غضون ذلك، كان محور المقاومة التابع لإيران في دائرة الخطر. هذه الخسائر، إلى جانب التدهور الشديد في هيكل قيادة حزب الله في لبنان، بما في ذلك قيادته في ظلّ نصر الله، قلّصت بشكل كبير نفوذ إيران الإقليمي.

حين شنّت القوات التابعة لفصائل المعارضة هجومها في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، كانت إيران نفسها في موقع ضعيف لا يسمح لها بالتدخّل على نحو فعّال لدعم الأسد. فعلى خلاف العام 2016، عندما استكملت القوات البرية الإيرانية الدعم الجوّي الروسي في حصار حلب، لم تبدُ موسكو وطهران مستعدّتَين أو قادرتَين على شنّ هجوم مضادّ مشابه، ذلك أنهما ازدادتا إحباطًا من تعنّت الأسد. وهكذا، بقي الأسد رجلَهما إلى أن لم يَعُد كذلك.

بحلول أوائل العام 2024، كان موقف كلٍّ من إيران وروسيا قد تغيّر تجاه الرئيس السوري. فروسيا كانت غاضبة بصورة خاصة من انتهاكاته المتكرّرة لاتفاق خفض التصعيد في إدلب، ومقاومته العنيدة لأيّ شكلٍ من أشكال التسوية عن طريق التفاوض. في موازاة ذلك، رأت إيران أن نفوذها الذي كان كبيرًا على دمشق يتراجع باطّراد، إذ بدأ الأسد يشقّ بشكل متزايد مسارًا مستقلًّا تَعارَض في الكثير من الأحيان مع أهداف طهران الإقليمية. وتنامت شكوك إيران حيال الأسد عقب سلسلةٍ من التسريبات التي كشفت عن تحرّكات مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني، وبلغت ذروتها في الغارات الإسرائيلية التي استهدفت هؤلاء المسؤولين في سورية. ولاحظ فيلق القدس، الذي كان يتمتّع نسبيًا بالحرية في سورية، أن السلطات السورية أصبحت تقيّد تحرّكاته أكثر فأكثر، إذ رفض الأسد مثلًا مطالبات بفتح جبهة الجولان ضدّ إسرائيل. وربما كان الأمر الأكثر استفزازًا لإيران بدء دمشق بفرض قيود على الأنشطة الدينية الشيعية في أنحاء سورية، ما شكّل تحدّيًا مباشرًا لجهود طهران الرامية إلى توسيع نفوذها الإيديولوجي والثقافي في المنطقة.

وبحلول الوقت الذي شنّ فيه الثوّار هجومهم، لم ترَ إيران ولا روسيا جدوى كافية في إنفاق المزيد من الموارد لدعم نظامٍ أصبح عبئًا أكثر منه مكسبًا. فقد قوّض استقلالُ الأسد المتنامي الشراكات التي أدامت فعليًا حكمَه لما يزيد عن عقد من الزمن. وفي نهاية المطاف، عرضت روسيا على الأسد اللجوء لدواعٍ إنسانية، وإن بدا ازدراء موسكو للأسد واضحًا في تعليقات سيرغي لافروف في منتدى الدوحة، حيث وبّخ محاورَه لأنه أراد “إغراقه” في الأسئلة عن سورية.

والحال أن الضعف الأساسي للجيش السوري أصبح جليًّا بشكل صارخ حتى قبل استيلاء فصائل المعارضة على حلب. فالنقاشات التي دارت على منصّات التواصل الاجتماعي الإيرانية، خصوصًا القنوات الموالية للحرس الثوري الإيراني على منصّة تلغرام، عكست هذه الحقيقة، إذ بدأ المواطنون الإيرانيون العاديون في هذه المنصّات ينتقدون علنًا الأسد وعدم كفاءة جيشه. وقد يكون الأمر الأكثر دلالةً التحوّل في مشاعر أشدّ مناصري الحرس الثوري التقليديين، الذين أخذوا يعبّرون عن استيائهم من فساد الأسد وعدم فعالية الجيش السوري.

استجابت إيران في البداية وفقًا لنهجها المعتاد، من خلال حشد الميليشيات العراقية بهدف تعزيز دفاعات الأسد. لكن الحكومة العراقية رفضت السماح لهذه القوات بعبور الحدود إلى سورية. وبدلًا من الاعتراض على هذا القرار، رضخت إيران للأمر بسهولة مفاجئة. أمّا التطوّر المذهل، فكان انسحاب القوات المدعومة إيرانيًا، من دون مقاومة، من المعبر الحدودي بين سورية والعراق الذي يُعدّ أكثر المواقع استراتيجيةً بالنسبة إليها. كذلك، انسحبت قوات الحرس الثوري الإيراني والمقاتلون العراقيون الموالون لطهران من دير الزور قبل وصول القوات الكردية، ليسقط معبر القائم-البوكمال الحدودي سريعًا في أيدي قوات سورية الديمقراطية.

كانت محافظة دير الزور ومعبرها الحدودي الواقع في مدينة البوكمال بمثابة جوهرة تاج إيران في سورية، إذ شكّلت رابطًا حيويًا في طموحات طهران الإقليمية. فبعد أن انتزعت إيران السيطرة على دير الزور من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2017، حوّلت هذه المنطقة الواقعة في شرق سورية إلى ممرٍّ أساسي لاستعراض قوّتها في منطقة المشرق العربي. وأضحى معبر القائم-البوكمال ركيزةً مهمة للجسر البرّي بين إيران ولبنان، ولا سيما أنه سهّل نقل الأسلحة والمقاتلين والعتاد إلى وكلاء طهران في جميع أنحاء المنطقة.

لم تقتصر أهمية دير الزور على المستوى اللوجستي. فإيران استثمرت بشكل كبير أيضًا في تأمين هذه المنطقة وأنشأت شبكة من القواعد العسكرية ونسجت علاقات وطيدة مع مشايخ العشائر المحلية. واستغلّت إيران تظلّمات السكان العرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية ولاحقًا قوات سورية الديمقراطية، واستخدمت في الوقت نفسه المنطقة للضغط على القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة التنف وبالقرب من حقل كونيكو للغاز. يُشار إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران شنّت هجمات متكرّرة على المواقع الأميركية من هذه المنطقة، فتحوّلت إلى ساحة للتنافس الإقليمي الأوسع بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. لكن حين بدأ نظام الأسد بالانهيار، اتّخذت طهران قرارًا مفاجئًا بالتخلّي عن هذه المنطقة الحيوية لصالح قوات سورية الديمقراطية. ربما عكس هذا الانسحاب استراتيجيةً أكثر مكرًا على المدى الطويل، تستند إلى رهان إيران على أن تولّد التوتّرات المستمرة بين القوات الكردية والسكان المحليين العرب وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، فرصًا جديدةً تتيح عودة النفوذ الإيراني إلى هذه المنطقة في نهاية المطاف.

لكن انسحاب إيران من سورية كان أكبر بكثير من مجرّد التخلّي عن دير الزور، إذ شكّل انعطافةً كاملة لانخراطها العسكري في البلاد. وفي الليلة التي سبقت هروب الأسد من دمشق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن إيران بدأت بإجلاء قادتها العسكريين وموظفيها من سورية. أما الحقيقة الصارخة الكامنة وراء انسحاب إيران فجاءت على لسان محلّل مقرّب من النظام الإيراني، قال للصحيفة إن “إيران بدأت بإجلاء قوّاتها وعناصرها العسكريين لأننا لا نستطيع القتال كقوّة استشارية داعمة إذا كان الجيش السوري نفسه لا يريد القتال… خلاصة الأمر أن إيران أدركت أنها لا تستطيع إدارة الوضع في سورية في الوقت الراهن بالعمليات العسكرية، وبالتالي لم يعد هذا الخيار مطروحًا”.

واقع الحال أن انهيار نظام الأسد قوّض الاستثمارات التي قامت بها إيران في سورية على مدى أكثر من عقدٍ من الزمن، وفكّك شبكة النفوذ المعقّدة التي حاكها قاسم سليماني. فقد بلور، بصفته قائد فيلق القدس، استراتيجيةً لزعزعة الاستقرار الإقليمي، ألحقت أضرارًا جسيمةً بالشعوب والدول في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. اعتمد مقاربةً منهجيةً شملت الخطوات التالية: تحديد الدول الهشّة، واستغلال مكامن ضعفها، وملء الفراغ القائم في السلطة بميليشيات مدعومة إيرانيًا باتت تُعرف بوحشيّتها واستغلالها للسكان المحليين. كان المنطق الكامن وراء هذا النهج ينبع من اعتقاد سليماني بأن ضعف الحكومات هو أرضٌ خصبة لتجذّر النفوذ الإيراني وازدهاره. بلغت هذه الاستراتيجية ذروتها في سورية، حيث ساعد سليماني على تحويل انتفاضةٍ شعبيةٍ إلى حربٍ أهليةٍ كارثية.

ما بدأ كتدخّلٍ في سورية لإنقاذ محور المقاومة، أضحى بدلًا من ذلك إيذانًا بانحداره. كان من المفترض أن تشكّل هذه الشبكة من الوكلاء والأنظمة الحليفة، الممتدّة من طهران إلى بيروت وصنعاء، حلًّا لعزلة إيران الإقليمية والضغوط الغربية التي تواجهها. وانهار النموذج الذي بدا فعّالًا للغاية في لبنان مؤخرًا بعد أن أنهكت إسرائيل حزب الله خلال حرب استنزاف بلغت ذروتها بحملة قصف مدّمرة وغزو برّي لجنوب لبنان، بدأ في 1 تشرين الأول/أكتوبر. في نهاية المطاف، اتّضح أن هذا النموذج غير مستدامٍ في سورية.

ولا يزال الكثير من الغموض يكتنف القرارات الإيرانية التي اتُّخذت في الأيام الأخيرة من حكم الأسد. صحيحٌ أن طهران لا يمكنها أن تأمل واقعيًا في استعادة مستوى النفوذ الذي كانت تتمتّع به خلال عهد الأسد، إلّا أن حساباتها تتجاوز على الأرجح الأزمة الراهنة. ونظرًا إلى أن إيران أثبتت مرارًا وتكرارًا مهارتها في استغلال الفوضى الإقليمية لصالحها، قد تكون تراهن على أن العملية الانتقالية في سورية ما بعد الأسد ستتيح لها فرصًا جديدة لبسط نفوذها، ولا سيما في ظلّ تنافس مختلف الفصائل على السلطة والموارد. على سبيل المثال، يمكن أن تشكّل معاداة الأكراد السوريين للنفوذ التركي في سورية فرصةً مماثلة. كذلك، قد تؤدّي قدرة إيران على العمل مع المجموعات السنّية إلى تشكيل تحالفات براغماتية مُعارِضة لإسرائيل، ولا سيما بعد احتلالها المنطقة العازلة المنزوعة السلاح التي أُنشئت في العام 1974 بموجب اتفاقية فضّ الاشتباك في جنوب سورية.

يندرج كلّ ما سبق إلى حدٍّ كبير في إطار التكهّنات. لكن الأكيد أن سقوط الأسد المُهين كشف حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بسورية من جرّاء حكمه والقوى الخارجية التي ساندته. سوف تكشف لنا الأشهر المقبلة ما إذا ستنجح إيران في التكيّف مع الواقع السوري الجديد، أم أن سقوط الأسد سيضع بالفعل حدًّا لطموحاتها في سورية.

إغلاق