ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

يا ليتني قدمت لحياتي

يا ليتني قدمت لحياتي

تاربة_اليوم / كتابات واراء :
مقال لـ / أشرف قطمير
الخميس 9 يناير 2025

الليل هنا طويلٌ، ثقيلٌ، كأنّه كُتب علينا أن نتحمّل ظلمته أكثر مما ينبغي. حضرموت تغرق في البرد، لا دفء سوى أنفاسنا التي تتكاثف على النوافذ المتهالكة، وكأنّها تودّعنا قبل أن تبرد هي الأخرى. الظلام يبتلع كل شيء، وكأنّ الكهرباء لم تكن يومًا سوى حلم عابر، أو زائر غريب قرّر ألّا يعود. لا شيء يرافقك سوى الريح وهي تئنّ بين الأزقة، كأنّها أرواحُ البشر الذين أرهقهم الانتظار، وأجسادهم التي جفّفتها الديون.

“يا ليتني قدمت لحياتي”، فكّرت بها طويلاً، وأنا أجلس في هذا الصقيع، ألتفّ ببطانية بالكاد تحجب عني صفعات البرد. هل هذه هي الحياة التي يجب أن أقدّم لها؟ حكومة تُطفئ النور، وتطالبنا بأن نشتري الضوء بالدين؟ كيف أقدّم لحياةٍ أُجبر فيها على أن أحمل على ظهري بطارية تبتلع راتبي، ولوحًا شمسيًا يقتطع من قوت أولادي؟

لا يخفى على أحد أنّها لعبة، لعبة مكشوفة. يريدون منّا أن نركض وراء البدائل، أن نعيش حياتنا بالتقسيط، حتى نصير مجرد أرقامٍ في دفاتر الديون. يفتحون لنا الأبواب: بنوك، جمعيات، وكلّها تقول لنا: “تعالوا، اشتروا النور!” لكنّها في الحقيقة تبيعنا وهماً بأسعار باهظة. النور هنا ليس في مصابيح البيوت، بل في مصابيح الجيوب، ولا مكان لمن أفلس.

في الخارج، كان البرد يزداد قسوة، وكأنّه يختبر صبرنا. تذكّرت جارنا الذي اشترى بطارية بالدين، يقول لي بفخر: “هكذا نستعد للصيف ورمضان.” لكنّني تساءلت: وهل يُستعدّ للحياة بمزيدٍ من القيود؟ وهل نشتري راحة اللحظة بثمنِ حياة كاملة؟

“يا ليتني قدمت لحياتي”، قلتها بصوتٍ بالكاد سمعته أنا. لكنّني أدركت أنّ حياتنا ليست هنا، على الأقل ليست كما نعيشها الآن. حياتنا الحقيقية، تلك التي تستحق أن نُقدّم لها، هي حياةٌ بلا ديون، بلا عتمة، وبلا هذه الرياح التي تذكرنا دائمًا أننا مجرّد أرقام في حسابات الآخرين.

تعليقات (0)

إغلاق