اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

مدرسة باسندوه الحضرمية

مدرسة باسندوه الحضرمية

( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : محمد أحمد بالفخر
7 فبراير 2025

     عُرِفَ الحضرمي بأمانته وقِيمِه وأخلاقه العالية الرفيعة المستمدة من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف فأصبحت ملازمةً له أين ما حلّ أو ارتحل، حتى وإن خَفَتَ مظاهر الالتزام ببعض أصول الدين عند البعض لأسباب عديدة منها انتشار ثقافة عهود الانحطاط التي عمّت معظم اقطار المسلمين في القرون المتأخرة المصحوبة بالخرافة والشعوذة، لكن المجتمع الحضرمي بقي حارساً أميناً على هذه المكارم والقيم المتوارثة وبالتالي ينبذ كل مخالفٍ لها لدرجة أنّ من تسوّل له نفسه بارتكاب خطيئة يضع ألف حساب لأهله ومجتمعه وكيف سيكون حاله أمامهم إن وقع في هذا الزلل أو ذاك،
كان هذا الحال مستمراً في الغالب إلى عهدٍ قريب قبل تعرّض المجتمع لثقافات وعوامل متعددة أكسبته بعض السلبيات والتي ساهمت بشكل كبير في تجريف الحالة الإيجابية بشكلٍ أو بآخر لدى البعض،
 ولنبقي على حالة التفاؤل فقد قُلت (البعض) حتى لا يفسر بتفسيرٍ آخر ولأن البعض هم قِلّة على كل حال،  
وللتذكير بإيجابيات تلك الأجيال الجميلة لابد من ذكر بعض النماذج لتسترشد بها أجيالنا الحاضرة ويقولون لمن خالفهم او انتقص منهم ما قاله الشاعر الفرزدق ذات يوم:
 (أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ)
 ولهذا كان عنوان مقالي لهذا الأسبوع (مدرسة باسندوه الحضرمية) ففي الشهرين الماضيين تشرفت بزيارة الأستاذ محمد سالم باسندوه رئيس الوزراء الأسبق في حكومة الجمهورية اليمنية وفي كل زيارة نمرُّ على كثير من الذكريات التي عاشها منذ صغره حتى دخوله معترك النضال ضد الاحتلال البريطاني الغاشم لمدينة عدن مسقط رأسه وبقية المحميات الغربية والشرقية كما كان يُطلق عليها في ذلك الوقت،
وبالفعل الأستاذ محمد بمجموعه مدرسة نضالية وسياسية وثقافية واجتماعية ينبغي التعلم فيها والاستفادة منها بقدر المستطاع،
وقد توقّفت كثيراً عند موقفٍ حصل له في صِغره والذي كان له درساً طوال حياته ولهذا ربطته بالسلوك والثقافة الحضرمية السائدة في ذلك الوقت،
قال: في السنة الأولى لالتحاقه بالمدرسة كان والده الحضرمي الدوعني يعطيه نصف روبية عند ذهابه للمدرسة وهي العملة المتداولة حينها في عدن كمصروف يومي،
 وذات يوم كان الوالد مشغولاً فقال له خذ مصروفك من جيب الكوت المعلّق في المجلس فقال ذهبت وأخذت روبية كاملة بدلاً من النصف روبية وقال عند عودتي سألني الوالد كم أخذت من الجيب فقال قلت له نصف روبية فما كان منه إلا أن لطمني على وجهي لطمة شديدة مؤلمة اسقطتني أرضاً وجلست في نوبة بكاء شديدة فقال وتكذب كمان! واستطرد قائلا:
 اليوم أخذت من جيبي ما ليس لك وفوقها كذبة الإنكار   فماذا ستفعل غداً؟
عشرات من أصحاب أبيك يأتون الى مجلسه ويعلّقون أكواتهم على الباب فغداً ستمتد يدك الى ما في جيوبهم،
 فقال بالفعل تلك اللطمة بقوتها درساً عملياً وكلماته الشديدة القاسية كانت موعظة بليغة أستمرّت ملازمة لي طوال حياتي العملية والسياسية،
ولهذا عندما كنت وزيراً للتخطيط في حكومة الجمهورية العربية اليمنية في القرن الماضي وكان هناك مشروع تم تكليف أحد كبار التجار بتنفيذه وكان ينقص استكمال الإجراءات توقيع وزير التخطيط وحتى يتم التوقيع لابد من استكمال شروط قانونية وضمانات وغيرها وبالمجمل كانت لي ملاحظات على المشروع برمته،
فتفاجأت بذلك التاجر يأتي لزيارتي في المكتب عارضاً عليّ مليون دولار فقلت له استكمل شروطك ولا تدفع دولاراً واحداً،
وذات مرة كُلّفت بحمل رسالة من الرئيس صالح لقادة احدى الدول فقدّم لي رئيس المراسم مبلغاً من المال هدية من ذلك القائد فرفضت استلامه فقلت له شكراً لكم فاستلامي لهذه الهدية مع احترامي خيانة لمهمتي،
 وعند عودتي اخبرت الرئيس بما جرى فقال لي أنت أهبل؟  لو اخذتها كنا تقاسمناها سوياً،
ومرة كان يترأس اجتماعاً للحكومة فقدم له وزير المالية شيكاً بمبلغ 15000دولار فقال له حق أيش هذا؟ فقال له هذه إكرامية العيد من الرئيس هادي فقلت من حسابه الخاص؟  قال لا من حساب الرئاسة فقلت له هل صرف لكل الشعب؟ قال لا فمزقت الشيك امام الجميع،
لعمري لو كان في مسؤولينا ثلةٌ شريفةٌ مثله لما رأينا سوق النخاسة الكبير الذي ضُيّع فيه اليمن ماضياً وحاضراً ويظلُّ الأمل في الغد وشبابه.

إغلاق