شوكة 11 فبراير

مقال لـ /أشرف قطمير
الثلاثاء 11 فبراير 2025
ما الذي يجعل أمةً تنقلب على استقرارها، ولو كان هشًّا، لتسقط في دوامةٍ لا قاع لها؟ هل هو الطموح المشروع نحو الأفضل، أم أن الإنسان بطبيعته يرفض النعمة حتى تُنزع منه، فيكتشف متأخرًا أنه كان يحيا في نعيمٍ لم يدركه؟ شوكة 11 فبراير لم تكن سوى امتدادٍ لتلك الحكاية القديمة، حين أنعم الله على قوم سبأ بجناتٍ وارفة، وطرقٍ ممهدة، وحياةٍ سهلة، لكنهم استصغروا النعمة، وملّوا من الوفرة، وقالوا: “رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا”، فجاءهم التبديل، وأصبحوا حديثًا للعبرة.
في 11 فبراير، خرج الشباب اليمني إلى الساحات، مفعمين بالحلم، يطالبون بما ظنوا أنه حقهم الطبيعي في حياةٍ عادلة، لكنهم لم يسألوا أنفسهم: ما الثمن؟ ظنوا أن ما كان لديهم لم يكن يستحق الصبر، وأن الثورة ستختصر الطريق نحو دولةٍ عادلة، لكنهم لم يدركوا أن التغيير الفجائي أشبه بشوكةٍ تُغرس في الجسد، لا تقتل فورًا، لكنها تترك جرحًا لا يندمل.
لقد زرعوا البذرة، وظنوا أنهم سيحصدون وردًا، لكن الأرض التي لم تُحرث جيدًا لا تنبت إلا الشوك. كان اليمن قبل فبراير يعاني، لكن معاناة الأمس أصبحت حلمًا بعيد المنال مقارنةً بجحيم اليوم. الوظائف التي كانوا يشتكون من قلتها، أصبحت أثرًا بعد عين. الأمن الذي كانوا يرونه هشًّا، صار رفاهيةً لا يُطال. والفقر الذي أرادوا القضاء عليه، أصبح شبحًا يطارد الجميع. فهل كانت شوكة 11 فبراير هي الحل، أم أنها الجرح الذي لم يكن الوطن بحاجة إليه؟
اليوم، بعد سنواتٍ من ذلك اليوم، بات الجميع يتساءل: هل كنا مخطئين؟ سؤالٌ ثقيل، لكنه حاضر في كل زوايا المشهد. البعض يقول: لا، لم نخطئ، ولكننا خُدعنا، سُرق حلمنا، وسُرقت ثورتنا. والبعض الآخر يهمس بمرارة: لو عاد بنا الزمن، هل كنا سنسير في ذات الطريق؟ لكن الزمن لا يعود، وشوكة 11 فبراير لا تزال مغروسةً في قلب اليمن، تُذكّر الجميع أن التغيير بلا بصيرة، لا يأتي إلا بالألم.