اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

هل ينجح العرب في إحباط تهجير سكان غزة

هل ينجح العرب في إحباط تهجير سكان غزة

بقلم/ خالد الصيعري
الأحد 16 فبراير 2025

المقدمة: غزة… قضية لم تُغلق منذ ٧٥ عامًا

غزة، تلك القطعة الجغرافية الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها ٣٦٠ كيلومترًا مربعًا، تحولت على مدار العقود إلى رمز للمقاومة والمعاناة في آنٍ واحد. منذ النكبة عام ١٩٤٨، مرورًا بالاحتلال الإسرائيلي المباشر عام ١٩٦٧، وصولًا إلى الحصار المفروض منذ ٢٠٠٧، تبقى غزة ساحةً لصراعٍ وجودي. اليوم، تطفو على السطح مجددًا تساؤلات حول مصير سكانها، وسط مخاوف من “مخططات تهجير” تُناقَض بالرفض العربي والدولي. لكن هل تمتلك الدول العربية والإسلامية الأدوات الكافية لمواجهة هذه السيناريوهات؟ أم أن غزة ستكون فصلًا جديدًا في مسلسل التهجير القسري للفلسطينيين؟

جذور التهجير… من النكبة إلى اليوم

لا يمكن فهم الحديث عن تهجير غزة دون العودة إلى السياق التاريخي. فالفلسطينيون عانوا من عمليات تهجير ممنهجة منذ عام ١٩٤٨، عندما هُجّر أكثر من ٧٥٠ ألفًا من مدنهم وقراهم. في غزة، تجمع جزء كبير من اللاجئين، الذين يشكلون اليوم نحو ٧٠٪ من سكان القطاع. بعد حرب ١٩٦٧، بدأت إسرائيل بفرض سياسات استيطانية وعسكرية عززت السيطرة على الأرض، لكن غزة بقيت كُتلة سكانية فلسطينية متماسكة رغم الحروب المتكررة.

في عام ٢٠٠٥، أعلنت إسرائيل “الانسحاب الأحادي الجانب” من غزة، لكنها احتفظت بسيطرتها على المعابر والمجال الجوي والمياه الإقليمية. ثم جاء الحصار المشدد بعد سيطرة حماس على القطاع عام ٢٠٠٧، ليدخل سكان غزة في دوامة من الأزمات الإنسانية، ما دفع بعض المحللين إلى وصف الحصار كـ”أداة ضغط غير مباشرة” لدفع السكان إلى الهجرة.

مخطط التهجير… بين التصريحات والممارسات

تصاعدت في السنوات الأخيرة تصريحات من مسؤولين إسرائيليين وسياسيين تدعو إلى “ترحيل سكان غزة” أو “تشجيع الهجرة الطوعية”، كحلٍ لما يُسمى “المشكلة الديموغرافية”. في ٢٠٢٣، اقترح بعض الوزراء في حكومة بنيامين نتنياهو نقل سكان غزة إلى دول أخرى، مثل الكونغو أو مصر، مقابل حوافز مالية.

من الناحية العملية، تشير تقارير حقوقية إلى أن إسرائيل تستخدم سياسات غير مباشرة لتحقيق التهجير، مثل:

1. التدمير الممنهج للبنى التحتية خلال الحروب الأخيرة، دُمرت آلاف المنازل والمستشفيات والمدارس، مما يجعل الحياة في غزة مستحيلة.

2. التضييق الاقتصادي معدل البطالة في غزة يتجاوز ٥٠٪، بينما يعتمد ٨٠٪ من السكان على المساعدات الدولية.

3. التهديد الأمني المستمر الغارات الجوية والاجتياحات البرية تخلق حالة من الرعب الدائم.

لكن هل هذه السياسات كافية لتحقيق تهجير جماعي؟ الخبراء منقسمون. فمن جهة، تؤكد منظمات أن إسرائيل تسعى لتفريغ غزة من سكانها. ومن جهة أخرى، يرى محللون أن التماسك الاجتماعي في غزة وقوة الرواية الفلسطينية يعيقان هذه المخططات.

الموقف العربي… بين الخطاب والواقع

على الورق، ترفع الدول العربية شعارات دعم غزة. ففي قمة الرياض الأخيرة (٢٠٢٣)، جددت الجامعة العربية رفضها لأي تهجير قسري، وطالبت بضغط دولي على إسرائيل. لكن الفجوة بين الخطاب السياسي والإجراءات العملية تبدو واسعة:

1. الدور المصري تُعد مصر حارس بوابة غزة الجنوبية (معبر رفح). رغم تأكيدها رفض التهجير، فإن إغلاق المعابر بشكل متكرر يزيد معاناة السكان. هل تقوم القاهرة بدور الحامي أم الشريك في الحصار؟

2. الدول الخليجية بينما توفر دول مثل قطر والإمارات مساعدات إنسانية، تثير اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل (مثل اتفاقيات إبراهيم) تساؤلات حول أولوياتها الاستراتيجية.

3. الدور الفلسطيني الداخلي الانقسام بين فتح وحماس يُضعف الموقف التفاوضي الموحد، مما يعطي إسرائيل ذريعة لرفض الحلول السياسية.

في المقابل، تظهر مبادرات شعبية عربية، مثل حملات مقاطعة إسرائيل (BDS)، كقوة ضغط لا يُستهان بها. لكن هل تكفي لتعويض تقاعس الحكومات؟

التحديات القانونية والدولية

القانون الدولي يُجرم التهجير القسري بموجب المادة ٤٩ من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تُعتبر إسرائيل طرفًا فيها. كما أن مبدأ حق العودة الفلسطيني مُكرس في القرار الأممي ١٩٤. لكن إسرائيل تتجاهل هذه القواعد بدعم أمريكي-غربي، مما يطرح تساؤلات حول جدوى الآليات الدولية.

المحكمة الجنائية الدولية بدأت تحقيقات في جرائم حرب محتملة في فلسطين، لكن التعنت الإسرائيلي في التعاون مع التحقيقات يُضعف تأثيرها. هنا، يبرز دور المجتمع المدني العالمي في كشف الانتهاكات، لكنه يبقى محدودًا دون إرادة سياسية دولية.

سيناريوهات المستقبل… هل تُهجر غزة؟

ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة:

1. السيناريو الأول: نجاح المقاومة العربية والدولية

   عبر توحيد الجهود الدبلوماسية، وفرض عقوبات على إسرائيل، وفتح معابر دائمة لغزة، قد يُنجح العرب في إفشال المخطط.  وهذا سيناريوا ضعيف

2. السيناريو الثاني: تهجير جزئي تحت غطاء “إنساني”

   قد تدفع الأزمات الاقتصادية أعدادًا من الشباب إلى الهجرة الطوعية، مما يُخفف الكثافة السكانية دون ضجيج إعلامي.

3. السيناريو الثالث: تصعيد عسكري يُنهي الوجود الفلسطيني في غزة

   في حال اندلاع حرب شاملة، قد تستغل إسرائيل الفوضى لترحيل مئات الآلاف، مع صمت عربي دولي.

الخاتمة: غزة… اختبار لإرادة الأمة**

القضية ليست فلسطينية فحسب، بل عربية وإسلامية وإنسانية. التاريخ يُثبت أن تهجير الشعب الفلسطيني من غزة لن يُحقق السلام، بل سيعمق الكراهية ويغذي العنف. النجاح في إحباط المخطط يتطلب أكثر من الشعارات: يحتاج إلى استراتيجية عربية موحدة، ودعم مالي وسياسي غير مشروط، وإحياء الروح النضالية التي أنقذت غزة مرارًا. السؤال الأكبر: هل تتعلم النخب العربية من دروس الماضي، أم ستترك غزة تواجه مصيرها وحدها؟ 

إغلاق