الايادي البيضاء تبكي فقيدها علي عبيد بن كده
مقال لـ / أمين بدر بن كده
الخميس 10 أبريل 2025م
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين وقف “على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةَ دفنه: إنّ الصبر لجميل إلّا عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلا عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل”، (التذكرة الحمدونية 4/ 197)،
علي عبيد بن كده خادم الفقراء والمجتمع مصلح ذات البين سخر نفسه ووقته وجهده في خدمة مجتمعه والإسلام والدعوة الى الله
ان رحيل الفقيد علي عبيد بن كده ترك فراغا كبيرا وشاسعا لا يعوض في مجال الدعوة والعمل الخيري والإنساني وإصلاح ذات البين ، حيث كان النموذج والقدوة الحسنة للعمل الخيري نظرا الى تضحيته بوقته وصحته في سبيل الإنسانية واسعاد من حوله
لا يقاس الناس بأعمارهم ولكن يقاسون بأعمالهم ونحسب ان الشيخ علي عبيد قدم ما لم يقدمه احد فهنيئا له هذه الأعمال الضخمة التي قدمها لمجتمعه فلا أفضل من انقاذ حياة الناس من الجهل والموت والمرض وإغاثة الملهوفين والسعي في اصلاح ذات البين والسعي عليهم بما يعينهم ويسد حاجاتهم فيا رب تقبله عندك في الدرجات العلا في الجنة اخوي الفقيد الغالي علي عبيد بن كده عليك رحمة الله صابك البلاء وحاولت التحديَ والصبر على المرض لتصمدَ احتساباً للأجر عند الله, ولكن الله يبتليك ليرفع درجتك ويطهرك إن شاء الله, حتى سلَّمتَ ففارقتها راضياً مرضياً
نعلم بأننا لا نموت بفقدان موت من نحب ولكننا ننكسر كسراً موجعاً, وكم هو مؤلم كسر الروح يا اخوي, ففقدان من كان يشاركنا في أدق تفاصيل حياتنا فراغ لن يمتلئ أبداً, فلك في قلوبنا صورة تزهو على كل الصور, نعتذر على كل كلمة شكر قد بخلنا بها عليك, ونعتذر عن كل قبلة لم نقبلها على جبينك الطاهرعرفاناً بجميلك, نعتذرعن كل مشاكلنا التي كنت اول من يخطر لنا عند حدوثها نعتذر عن كل وقت اتصلنا فيه عليك لطب الحضور للمساعدة دون ان نفكر في ظروفك واحوالك وكنت تحضر في الحال مبتسما ملبيا راضيا .نعم سنكمل مشوار حياتنا ملتزمين بإذن الله بكل ما تحبه منَّا من طاعة الله وما يرضيه
أن تحب نفسك فهذا أمر طبيعي فكل الناس جبلت على محبة نفسها ، لكن أن يكون حبك للآخرين مقدم على نفسك فهذا هو اكبر وأعظم واصدق أنواع الحب ، فماذا يستحق من يمتلك تلك المشاعر النادرة والجيّاشة والفيّاضة في زمن نشهد فيه جفافاً في قيم التضحية والعطاء .. لست هنا لأعطى محاضرة عن قيم الخير ولكن هذا المقال وجدت نفسي أشرع لا إراديا فيه وهو يسرد عمل رجل عمل بقلب مخلص ممزوجاً ببياض القلوب الصادقة التي تعطى بلا مقابل وتسعد عندما ترى ابتسامه تصنعها ،
يبقى في الدنيا بشر قد فتح الله عليهم وتفتحت قلوب الناس لهم، وتجد نفسك ولو بعد سنوات طوال تحن لهم وتتذكرهم وتتمنى وجودهم في كل موقف ومشهد.
لقد كان رجل كاظم غيظه ومتحامل على نفسه ويرد السيئة بالحسنة دائما، وقابل الجحود والنكران بالجميل والعطاء، فلم تثر نفسه لأجل نفسه يوما كما يفعل الآخرون، ، بل كان يسير عالي الهمة متحصنا بصدق نواياه.
لقد أثار رحيله غصة في الحلق، وانطفاء لومضة نبل إنساني. وإذا اجتمع في المرء النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق فقد ترك الدنيا وهي أحسن مما وجدها… وفي هذا عزاء لنا وأي عزاء.
وأشهد الله أن اخوي وأبي وصديقي وقرة عيني علي عبيد بن كده ترك الدنيا أحسن مما وجدها، فلم تكن حاجته وضعف حيلته وصروف الإنهاك التي مر بها أو مرت به، إلا دافعا جميلا لصنع الخير عندما أدركته الدنيا .. وإن فيه خصلتين : كرامة النفس ونُبل المقصد. لقد رحل عن الدنيا وهو زائد فيها، ولم يكن زيادة عليها، وقد تركها أحسن مما وجدها. للموت كرامات ورحمات أيها الباقون.
اخوي وأبي وصديقي وقرة عيني. أشعر أن أنفاسي تخنقني وأنا أشرع في الكتابة عن خُلقك! هل سأقول خلق الصالحين أو سمة المصدقين؟! لا والله.. لا أغالي إن قلت (ان اخلاقك ونواياك وصدق دواخلك توزن بلد بأكملها) إي والله! أجدني بحاجة إلى أن أكتب وأكتب؛ غيرَ أن ذاك الوصفَ مروٍ للعطش شافٍ للعلة.
الورع والبعد عن الشُبه مَسلكُه، حب الفقراء والمساكين سلوته..
كم من امرأة وطفل ورجل كنت الى جانبهم ومعهم وسندا لهم أتوا ينتحبون في بيت عزائك ويبكون مواقفك .
حلمك يعجب منه الحلم! منك تعلمنا أن كل شيء يأتي بالحلم أو التحلم. قدرتك على اختراق قلوبنا وعقولنا بكمال خلقك عجيبة جداً! أسرتنا صغارا وقدتنا كبارا وعلقتنا بك وبذكراك بعد وفاتك. في كل موقف.. وكل بقعة.. وفي ذهن كل واحد منا؛ لك أثر.. ذهب؛ غير أن ريحَه باق.
رحلت وأحس بلوعة رحيلك الضعفاء والمساكين ، رحل علي عبيد بن كده مَن ملك القلوب بأفعاله النبيلة ، وطيبته وحنانه وابتسامته الصافية العذبة !!
رحمك الله أبا الوليد، فاضت روحك لبارئها ووسّد جسدك الثرى، فانتشر عبق ذكرك الطيب، وعملك الصالح، وارتفعت لك ومازالت دعوات زاكيات عاطرات بالرحمة..!
ومهما سخّرت الكلمات وانقادت الحروف طائعة أو مكرهة في وصف ألم الموت وفراق الأحبة، فلن تستل إلاّ قليلاً من محتقن الوجع والألم .. ولكن العزاء هو ما أعدّه الله للصابرين (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)..
كانت وفاته – رحمه الله – وقعٌ على جناني وبناني، فاضت له العين، وارتجفت أصابعي عند كتابة ما تقرأون، والله حسبنا ومجيرنا في مصيبتنا.
كان ابن عمي كريم المعشر، وصادق الخطاب، وباذل للخير. كان كريم الصّفح، جميل الحلم،ساطه بالحق واسع الأناة. وهذا يعلمه كل من عرف أبا الوليد. لقد كان الشيخ علي عبيد بن كده هامة شامخة بلا غرور وبلا كبرياء، وبلا عنجهية، طلعة بهية يكلّلها التواضع وحسن الخلق والحلم والاحتساب والاستقامة النادرة الموعظة الحسنه الجميلة في موقعها. أرى بين وجنات وجهه مهابة عظيمة تعلوها ابتسامة بريئة، لم تكدرها يوماً زمجرة حمق، أو تلطخها فظاظة خُلُق لا يزدري وضيعاً، ولا يبخس حقاً، أو ينتقص جاهلاً.
نعم أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ علي عبيد بن كده “طيب الله ثراه” ظل دائماً على موعد مع القيم العظيمة التي أرساها وفي مقدمتها قيم التضحية والبذل والعطاء والإيثار والتسامح ونجدة الملهوف وإغاثة المنكوب ورأب الصدع، ونشر الخير دون نظر إلى جنس أو دين أو عرق أو لون ، فالأيادي البيضاء لفقيدنا امتدت حانية إلى القاصي والداني وشملت مختلف ربوع مناطقنا و أن مكارم الأخلاق اجتمعت في سعة صدر فقيدنا الذي كان اقرّب إلى الفقير قبل الغني، وجعل أبواب قلبه مفتوحة قبل أبواب بيته، فشعر الناس بالأمان واطمأنوا لحالهم معه،
لا يمر بمكانٍ إلا ويترك فيه أثرا طيب ، وقودٌ هو للهمم ، حتى بعد موته!
اللهم اغفر له وارفع درجته في المهديين، وافسح له قبره واجعله روضة من رياض الجنة، اللهم افسح له في قبره مد بصره، وافرش قبره من فراش الجنة. – اللهمّ لا نزكّيه عليك، ولكنّا نحسبه أنّه آمن وعمل صالحًا، فاجعل له جنّتين ذواتي أفنان، بحقّ قولك: «ولمن خاف مقام ربّه جنّتان






