اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

حرية الرأي: بين المكفول قانونًا والمُقيَّد واقعًا

حرية الرأي: بين المكفول قانونًا والمُقيَّد واقعًا

تاربة_اليوم /كتابات واراء
كتب / الدكتور عبدالناصر سعيد محمد البطاطي

20 إبريل 2025م

تُعد حرية الرأي والتعبير إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات المدنية الحديثة، وهي شرط لا غنى عنه لضمان المشاركة المجتمعية، وتحقيق الشفافية، وترسيخ ثقافة النقد البنَّاء. وقد كفلت المواثيق الدولية هذا الحق بوصفه جزءًا من الكرامة الإنسانية التي لا يجوز الانتقاص منها تحت أي ذريعة.
ففي المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م) جاء النص واضحًا: (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دونما اعتبار للحدود).
وقد تبنى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966م) هذا المبدأ بنفس الحزم، حيث تنص المادة (19) منه على أن:

  1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
  2. لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع، أو في قالب فني، أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
    ورغم وضوح هذا الإقرار الدولي، فإن المادة ذاتها أقرت بإمكانية فرض بعض القيود، ولكن ضمن شروط صارمة، حيث جاء في الفقرة الثالثة منها أن ممارسة هذا الحق تستلزم واجبات ومسؤوليات خاصة، وقد تخضع لبعض القيود، شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
    والواقع العربي بين النصوص الدستورية والممارسات الأمنية، نجد أن الدساتير العربية تتضمن نصوصًا تؤكد كفالة حرية الرأي والتعبير، كما هو الحال في دساتير مصر وتونس والمغرب ولبنان واليمن وغيرها. وفي الميثاق العربي لحقوق الإنسان (2004م)، تم التأكيد على هذا الحق في المادة (32)، مع اشتراط ألا يتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية والنظام العام.
    لكن عند التطبيق، تبرز فجوة شاسعة بين النصوص القانونية والممارسات الواقعية، حيث يُقيد هذا الحق باستخدام قوانين فضفاضة، مثل قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية والذم والقدح والتشهير، التي تُوظَّف أحيانًا لتجريم التعبير عن الرأي، وخصوصًا الآراء المعارضة أو الناقدة للسلطة.
    وتُمارس الرقابة بشكل مباشر عبر منع النشر أو سحب التراخيص، أو بشكل غير مباشر من خلال التضييق على الصحفيين والنشطاء والباحثين، وهو ما يؤثر على البيئة العامة للحريات، ويجعل من حرية الرأي حقًا مكفولًا على الورق فقط.
    في العصر الرقمي، فإن حرية الرأي سيف ذو حدين، حيث أُتيحت فرص غير مسبوقة للتعبير عن الرأي، ومشاركة المعلومات عبر المنصات الرقمية. إلا أن هذا الانفتاح رافقته تحديات متزايدة، مثل انتشار الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية، ما دفع بعض الدول لتشديد الرقابة تحت عنوان تنظيم الفضاء الرقمي، لكن في بعض الحالات، تجاوزت الإجراءات حد التنظيم إلى التضييق غير المبرر على حرية التعبير.
    يبقى التحدي الحقيقي في تحقيق توازن دقيق بين ضرورة حماية الأمن العام والنظام المجتمعي، وبين صيانة الحق في التعبير باعتباره أساسًا من أُسس الحكم الرشيد. ومن هنا، لا بد من:
  3. مراجعة التشريعات المتعلقة بالإعلام والإنترنت لتكون متوافقة مع المعايير الدولية.
  4. تحقيق استقلالية القضاء ليضمن حماية الحقوق الدستورية للمواطنين.
  5. دعم الإعلام المستقل وتعزيز آليات المساءلة والشفافية.
  6. نشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال التعليم والمجتمع المدني، بما يعزز المسؤولية في ممارسة حرية الرأي.
    إن حرية الرأي ليست ترفًا يمكن التنازل عنه تحت ضغط الأزمات، بل هو شرط لبناء دولة القانون، ومجتمع المعرفة، وضمان الحوكمة الرشيدة. فكلما توسعت دائرة الحرية، زادت فرص التنمية المستدامة، وتقدمت المجتمعات نحو مزيد من النضج السياسي والإنساني.
    مع خالص تحياتنا وتقديرنا

إغلاق