عيدٌ حَضْرَمَوْتَ الوَطَنِيُّ … بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
كتب / د. عبدالعزيز صالح جابر
الجمعة 20 ديسمبر 2024
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
في تاريخ حضرموت المعاصر محطّات مضيئة، تستوقفنا ذكرياتُها، وتستميلنا عِبرُها، ويرفع هاماتِنا شموخُها، فنقف لنتذكّر التضحياتِ الكبيرة لرجال روت بدمائها تراب أرضها الحضرمية ، ونستلهمَ العِبَرَ ونجدّدَ العهد للسير على خطى أهداف نضالها في العزة والشرف .
اليوم تحل علينا ذكرى اليوم الوطني الحضرمي ٢٠ من ديسمبر ، والذكرى الحادية عشرة للهبة الحضرمية واستشهاد الشهيد الشيخ / سعد بن حبريش العليي مؤسس حلف قبائل حضرموت ، هذه الذكرى الخالدة المجيدة التي يشملنا أريجُها ، ونستنشق عطرها الفوّاح ، هي محتوى كل المحطات اليانعة بعد أن كانت هبة 20 ديسمبر 2013م عنوانَها وبذرتَها الأولى.
وإذا كانت أمم الأرض قاطبة التي عاشت ويلات القهر والظلم والتهميش والإقصاء ونهب الثروات ، تجعل من تاريخ ثوراتها للانعتاق من هذه المآسي مَعلَمًا للأمجاد وعيدًا وطنيًا لإحياء المآثر، فيوم حضرموت الوطني وذكرى هبتها تقف على صدارة المنصّة الأمامية وتشغل الحيز الأكبر في فرحتنا واحتفالاتنا، ذلك لأنّ صنف الظلم والتهميش والإقصاء ونهب الثروات وغياب العدالة ومصادرة وسلب قرارنا السياسي والاقتصادي الذي كابدناه وجَالَدناهُ طيلة 57 عاما لم يكن له مثيلا في اليمن عامة وحضرموت خاصة.
إنّ حضرموت التي ظلّت على الدوام تتحرّك في فلك إرثها الحضاري وثقافتها الضاربة في أعماق التاريخ ورقي وسلمية وأخلاق شعبها النابعة من تعاليم ووسطية وسماحة الإسلام ، فتجسدت هذه القيم في سبيل التحرر من أغلال الظلم والتهميش ونهب الثروات، وأن تحكم نفسها بنفسها ، وهي مدركة تمام الإدراك أنّ ذلك لن يتحقق بين عشية وضحاها ، فهناك تضحيات يجب أن تقدم ، لتحمي حياض الوطن الحضرمي من أجل مواصلة وضع لبنات جديدة راسخة لتشييد صرح حضرموت الحاضر والمستقبل التي حلم ويحلم بها الحضارم .
لقد انطلقت حضرموت لتحقيق الحكم الذاتي والذي اعلنه حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع ، ليتولى الحضارم إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والقضائية بأنفسهم ، وهي في الوقت نفسه ماضية بلا تردّد في مسار الأخذ من هذا النبع الصافي لهذا المشروع المهم في تاريخ حضرموت وحاضر ومستقبل أجيالها، وهي ضابطة كل خياراتها وقراراتها ومواقفها ومشاريعها وفق ما خطّته وثيقة ومخرجات مؤتمر حضرموت الجامع ووثيقة الشرف الموقع عليها في 22 إبريل 2017 في المؤتمر التأسيسي، وما صدر من بيانات منذ 13يوليو 2024 وإلى اليوم ، وأنه خلال هذه الفترة منذ 2013م ولليوم لم يكن خافيا أنّ المرحلة التي قطعها الحلف والجامع لم تكن مفروشة بالورود والرياحين ،بل كانت محفوفة بالتحديات والمخاطر، ولكن صدق النوايا وعزيمة الرجال وصلابتهم وقوة إيمانهم بقضيتهم واستشعارهم شرف المهمّة وعظمتها كان دوماً يبشّر بالانتصار رغم قوة وحدّة العوائق والصعوبات والمخاطر ، لكن بشارات النصر تلوح في الأفق بجملة من الانتصارات الأولية ، فعادت الثقة للحضارم بغد أفضل، انتصر الحلف والجامع في إعادة تماسك اللّحمة الحضرمية ، انتصرالحلف والجامع في إحياء الأمل في أن يحكمالحضارم أنفسهم بانفسهم ، انتصر الحلف والجامع في رسم الصورة التي تليق بحضرموت على المستويين الإقليمي والدولي ، انتصر الحلف والجامع بصوتهما المرفوع ومكانتهما المحفوظة في المحافل الدولية والأقليمية ، لقد حقّقا الانتصار تلو الآخر على كل الصعد التي خاضاها ، وسيتحقّق الأكبر والأثم وهو أعلان الحكم الذاتي لحضرموت في أرض الواقع بصمودهما وثباتهما وقيادتهما ومعهما كل الحضارم في الداخل والخارج .
ومن.هنا فإنّ الاحتفاء بذكرى اليوم الوطني الحضرمي ٢٠ ديسمبر ، والذكرى الحادية عشرة للهبة الحضرمية واستشهاد الشهيد الشيخ / سعد بن حبريش العليي مؤسس حلف قبائل حضرموت ، ومن قراءة لما ورد في الكلمة المهمة التي وجّهها إلى أبناء حضرموت في الداخل والمهجر مساء أمس الشيخ /عمرو علي بن حبريش العليي رئيس حلف قبائل حضرموت – رئيس مؤتمر حضرموت الجامع الشيخ عمرو بن حبريش العليي بهذه المناسبة ، ورغم أنها مختصرة الا أنه وضع خلالها النقاط على الحروف ، وبعث برسائل مهمة بحاجة أن يتم قراءتها بتمعن ممن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج ، كما حملت الكلمة بين ثناياها مواقف وعبر ، وأظهرت عظمة الرجال الشرفاء بما يقدمونه لوطنهم من تضحيات جسيمة ، وأكدت على الثبات في مواجهة المخاطر والتهديدات بنوع من التحدي لكل الإكراهات والمطبات، وبنوع من نكران الذات والإحساس بالواجب الوطني قبل أي واجب ، كما بعثت تلك الحروف البسيطة والكلمات المختصرة في هذه الكلمة المعبرة بصدق الهمّة والإدراك لِمعنى أن يكون لنا وطن بحجم ومكانة حضرموت ، هذا الوطن العظيم الذي لم ولن يخذله أبناؤه في أحلك ظروفه، وكلّما استدعاهم لمهمّة لبّوا نداءه ، هذا الوطن الذي بثّ في الحضارم جميعا روح الإقبال عليه والامتثال لأحكامه كلّما كان الموعد دقيقا وحاسما لنكون جديرين بالانتماء إليه.
الاحتفال بهذا اليوم والعيد الوطني الحضرمي هو الفخر الذي لا يُدانيه فخر، وهو العزة التي لا تعلو عليها عزة، وإنه الإرث الذي لا يقدّر بثمن ، ولا يتضاءل مقدارُه القيمي بالتقادم ، وتحت سقفه وظلاله حضرموت ترنو وتخطو نحو تحقيق حكمها الذاتي بعزة ورفعة ومستقبل واعد ، متذكّرة في كل حال وأوان أمجاد نضال رجالها الشرفاء في ميادين العزة والشرف والكرامة ، واليوم وغدا سوف تجني حضرموت ثمار أجيال مناضلة أرست قواعد وقيماً ومبادئ يسير الحضارم على نهجها ، وسوف يتم تسليمها للأجيال القادمة لمواصلة المشوار ، فما تحقق من أمن وسلام وحالة استقرار لحضرموت بسواعد رجال النخبة الحضرمية ، وبدعم ومساندة واسناد دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لم تأت من فراغ ، بل نتيجة تضحيات وجهود وتخطيط ومثابرة وعمل سياسي واجتماعي سار على دربها حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع ، ولحمة وتكاتف حضرمي صنع هذا العمل وحقق تلك المنجزات ، ويتجه بحضرموت نحو تحقيق حلمها في تحقيق الحكم الذاتي كنموذج يحتذى به.
* رئيس الدائرة السياسية بمؤتمر حضرموت الجامع