ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

بغلف الظافر

بغلف الظافر

تاربة_اليوم / كتابات واراء
كتب / محمد أحمد بالفخر

16 يناير 2025

 في الأسبوعين الماضيين تحدثت عن نموذجين من نماذج حضارمة المهجر ممن هاجروا الى جنوب شرق آسيا ومن الذين كان لهم دور إيجابي كبير في خدمة أهلهم ومجتمعهم في حضرموت في ذلك الوقت،

وهم من تحدثت عنهم في المحاضرة التي قدمتها في منتدى ثلوثية بامحسون الثقافي تحت عنوان (حضارمة المهجر الوجه المشرق) وبالطبع لم أتحدث عن قصص نجاحاتهم المذهلة والتي قد كتب الكثير عنها مؤلفات ومقالات وقصائد شعرية في مقام المعلّقات،

ولم أتحدث عن سماحة أخلاقهم وأمانتهم المستمدة من قيم ديننا الحنيف كصفة ملازمة في الغالب للحضرمي أين ما حلّ وارتحل،

ولكنني تحدثت عمّا قدموه لأهلهم في حضرموت من خلال مشاريع متعددة كان لها الأثر الكبير في تحسين الحياة في مناطقهم بصورة عامة،

فكانوا هم الوجه المشرق والعنوان المضيء لنموذج الانسان الحضرمي الذي استوعب توجيهات الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام حينما قال (خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي)

وفي هذا الأسبوع والذي يليه سيكون لي حديث عن نموذجين آخرين ممن كانت هجرتهم الى مملكة الخير أوائل القرن الماضي والذين فتح الله لهم أبواب الرزق فلم ينسوا مسقط الراس فكانت اسهاماتهم لأهلهم لا تضاهيها أي اسهامات أخرى،

وهنا حديثي عن أحد الشخصيات الذي سمعت عنه في صغري ولم أتشرف بمعرفته في حياته ولا بأحد من أبنائه لكن أعماله الخيرية تحدّث عنها الصغير والكبير وبالذات في وادي دوعن وعمد والعين ومناطق أخرى،

شخصيتنا هو الشيخ أحمد بن محمد بغلف رحمه الله الملقب ب الظافر بالله.

وهو من مواليد عام 1348هـ بقرية خسوفر بوادي دوعن الأيمن بحضرموت،

وكغيره من أبناء حضرموت عرف مرارة اليُتم والحرمان وألوان الفاقة وهو في سن مبكرة من حياته حيث نشأ النشأة الفائضة بحزنها وهمومها ولكنه لم يستسلم لتلك الظروف القاهرة.

تلقى تعليمه في البداية في قريته بوادي دوعن فتتلمذ على يد الشيخ العالم عبد الله بن محمد بلخير وتعلم بدايات معارف الحياة والدين وقد شهد له شيخه بالنبوغ والفصاحة.

ونتيجة للظروف المعيشية التي عانت منها حضرموت في تلك الفترة كانت الهجرة هي الملاذ لأبناء هذا الوادي لتحسين حياتهم المعيشية وقد تحقق لهم ما أرادوا بفضل الله،

فهاجر إلى مكة المكرمة وقصد الحرم المكي وتتلمذ على أيدي كبار العلماء ثم أتجه لكسب الرزق وبدأ أولى خطواته في عالم الصرافة في مكة المكرمة كصراف متجوّل أمام أبواب الحرم المكي والمسعى ومنى وعرفات ومناسك الحج ثم تطور شيئا فشيئا ليصبح لديه شركة صرافة ومؤسسة من أكبر المؤسسات المصرفية العالمية .

كان الشيخ بغلف رحمه الله أحد الرجال الرواد الذي له سياسته الخيرية، ومجالات عطائه كثيرة جداً فكان يعمل في صمت وينجح في صمت ويتبرع في صمت ويشيّد المشاريع الخيرية والتنموية من دون أن يطلب الشهرة الإعلامية والمديح لأنّ غايته ابتغاء ما عند الله.

والمتطلع إلى مشاريع بغلف الخيرية في حضرموت وغيرها يجد أن معظمها في جانب المياه فقد قام بإمداد شبكات المياه في معظم قرى ومدن وشروج حضرموت واديها وساحلها حتى الصحاري وبنى الخزانات وحفر الآبار ووفر المضخات فكان يولي توفير مياه الشرب النقية خصوصية كبيرة والسر في ذلك عِلمُه بالمعاناة الشديدة التي يعاني منها سكان هذا الوادي.

وقد عايشها عندما كان طفلاً صغيراً وهو يعرف معاناة وتعب نزح الماء بالدلو من الآبار العميقة فانطبع هذا المشهد في ذاكرته طوال حياته وعندما أكرمه الله كان كل همه توفير المياه لجميع الناس.

بالإضافة الى ذلك كان له دور في بناء المساجد والمدارس والوحدات الصحية والأربطة السكنية للأرامل والأيتام،

وفيه قال الشاعر علي خليل الشيخي

يا أيها الرجل العظيم بذكره

               كم أنت فينا سيد الأجواد

رجل تعالى في سماء بهائه

                وكأنه علم على الأعواد

يرقى به الوجدان صوب مدى العلا

                  من نخوة الآباء والأجداد

هو أمـّــةٌ قل الزمان بمثله

                ومخلّفٌ للجود في الأحفاد

وفي آخر أيامه أوصى أن يدفن في مكة لأنها أحب البقاع الشريفة الى قلبه والتي شهدت بداية حياته العملية فاستجاب الله له ذلك وكانت الخاتمة وفاته في المسجد الحرام بعد الانتهاء من مناسك الحج،
وما أعظمها من خاتمة.

تعليقات (0)

إغلاق