اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

بطت هذه الكحيلة عينها تدمع..

بطت هذه الكحيلة عينها تدمع..

بقلم / عبدالله الحداد
الثلاثاء 18 فبراير 2025

لا شيء أشد قسوة من أن ترى أرضك تبكي، وأنت لا تملك إلا أن تمسح دموعها. هكذا هو حال وادي دوعن، موطن الأصالة والتاريخ، الذي يئن بصمت تحت وطأة الظلم والتجاهل. كلما سالت دموع المعاناة، تسابق أبناؤه لمسحها، لا بمد يد العون من أصحاب القرار، ولكن بسواعدهم وأموالهم، وكأنهم وحدهم المسؤولون عن هذا الوطن المنسي بين تضاريس القهر والنسيان.

*وادي دوعن… الجوهرة التي أهملها أهلها قبل غيرهم*

لطالما كان دوعن شامخًا، صامدًا، معتزًا بتراثه وأمجاده، لكنه اليوم يقف وحيدًا في معركة الحياة، بلا دعم ولا نصير. السلطات المركزية لا تراه إلا حين يكون هناك مورد يُنهب، أو تاجر يطلب دعمه، أما حين يتعلق الأمر بحقوقه، بالكهرباء التي تنطفئ في لياليه الحارة، بالماء الذي يُقطع عن عطش أهله، بالطرقات التي تنهار تحت أقدام المسافرين، فإن الجميع يصمّ آذانه ويتعامى عن الحقيقة.

والمفارقة الأكبر أن الظلم لم يأتِ فقط من الخارج، بل من أبنائه الذين أصبحوا جزءًا من دائرة الصمت. كبار التجار، رجال النفوذ، المؤسسات الخيرية العملاقة التي تغدق الأموال على مشاريع بعيدة، بينما واديهم يموت ببطء، وكأنه لا يستحق منهم نظرة اهتمام. ألم يكن الأجدر بهم أن يكون دوعن في مقدمة أولوياتهم؟ ألم يكن الأجدر أن تتحرك أياديهم، لا فقط لجمع الثروات، بل أيضًا لإعادة الحياة إلى هذه الأرض التي صنعت منهم ما هم عليه اليوم؟

*بين تجاهل الدولة واستنزاف الأهالي*

أغلب  مشاريع الخدمات الأساسية في دوعن لم تأتِ من الدولة، بل كانت بجهود شخصية وتبرعات من بعض الخيرين، لكن هذا ليس حلًا دائمًا. الدولة التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها، أصبحت ترى في دوعن عبئًا على أبنائه فقط، وكأن هذه البقعة ليست جزءًا من اليمن، وكأن واجب الحكومة لا يشملها. حتى حين تتدخل السلطات، يكون ذلك بنظرة فوقية، بحلول مؤقتة ترقيعية، لا تسمن ولا تغني من جوع، وكأن دوعن يستحق فقط الفتات، بينما ثرواته وخيراته تُنقل بعيدًا لتغذي مناطق أخرى لم تبذل نصف جهده في بناء الوطن.

*الكهرباء مثال صارخ للخذلان*

في كل مكان، الكهرباء خدمة أساسية، إلا في دوعن، حيث أصبحت رفاهية نادرة. تعاقبت الوعود، وتغيرت الإدارات، ولم يتغير شيء، بل ساءت الأوضاع أكثر. المواطن يكتوي بنيران الانقطاعات الطويلة، ومع ذلك يلتزم بالدفع، بينما الشركات والمشاريع الخاصة تستنزف المواطنين بلا حساب، في غياب أي رقابة حقيقية. كل يوم يزداد الوضع سوءًا، وكلما طالب الناس بحقهم، وجدوا أنفسهم في مواجهة وعود جديدة بلا تنفيذ.

*متى تستيقظ الضمائر؟*

إلى متى سيبقى دوعن يدفع ثمن تجاهل الدولة وتقاعس أبنائه؟ إلى متى سنظل نمسح دموع هذا الوادي بأيدينا، بينما الجراح تزداد عمقًا؟ لن يتغير الحال ما دمنا نكتفي بالشكوى، ولن تتحقق المطالب إلا إذا وقف الجميع، أهلًا وسلطة وتجارًا، موقفًا جادًا لإعادة حقوق دوعن المسلوبة.

لقد آن الأوان لأن يتحرك الجميع، لأن يتوقف المسؤولون عن بيع الوهم، وأن يدرك أبناء دوعن أن مدينتهم تستحق أكثر مما يُمنح لها. فإما أن ننقذ ما تبقى، أو نترك هذه الكحيلة تبكي وحدها، حتى تجف دموعها، ولا نجد حينها ما نمسحه.
وفي الختام نختتم بختام قصيدة شعرية غنائئية  للشاعر السعدي  قائلا في ختامها:

تصيح الشافعية من لها يشفع=إذا كظمت على القصرة شوافعها.
##
ألا ياليت حد من أهلها ينفع=يقع صمصوم يسهر عامنافعها.
##
لها شدوا المطايا ساعة المطلع=بغت شطار تقرأ حسن طالعها.
##
نشب في حلقها شاحوف ياليفّع=على الله الأمل تنهض يوافعها.
##
و من هو بالكحيلة صب ومولع=يقدم مهرها كافي يولعها.
##
متى نقسم؟ متى نضرب؟ متى نجمع؟ =متى يحشد صلاة الفجر جامعها؟.

بغير الحل هذا ما لها مرجع=و قد ضاعت مع البيعة مراجعها.

إغلاق