ما ينفعُ الناس…

كتب / عبدالله حسن قاسم
الثلاثاء 2 ابريل 2024

شرع الإمام يحث المصليين على تسوية الصفوف، تململ (أبو مصطفى) الذي ما كان يريد أن يترك مائدته الدسمة قبل أن يفرغ منها تماما… كما لا يريد أن تفوته الصلاة. توجّه مثقلا إلى الجامع يحث الخطى لكن جسمه المترهّل وكميات الأكل التي ناغاها لا يساعدانه كثيرا على سرعة الحركة. كان كمن يهرول لكن عكس اتجاه الريح حيث تحدّ الريح من حركته، وتجبره على التقهقر، لكن عزيمته اخترقت صلابة الريح… وإلى الطريق الرئيس المؤدي إلى الجامع تفرّع خلقٌ كثير، وآخرون على الجانب الآخر من الطريق.. كلٌّ يركن سيارته أو دراجته النارية ليلحق الركعة الأولى..
إنها بداية الثلث الأخير من الشهر الكريم.
منظر أكثر من رائع يبعث على الأمل والتفاؤل تسرُّ له النفوس وتطمئن له القلوب.. وتنشرح له الصدور.
دقائق وبلغ (أبو مصطفى) مكانه من الصف الأول خلف الإمام مباشرة. لا يقنع بغير الصف الأول هو ومجموعة كبيرة من كبار السن الذين رغم عجزهم وضعف تحمّلهم يقبلون على الصلاة بكل جوارحهم وبعزائم تناطح السحاب… وعلى النقيض تماما، شباب في عمر الزهور وفي كامل النشاط يأخذون استراحات طويلة بين كل ركعتين، فلا ينهضون وبتثاقل حتى يركع الإمام الركعة التالية الأمر الذي يخلخل الصفوف ويشوش على المصليين…. وهؤلاء هم الذين يأتون إلى المسجد بإكراه الوالدين أو يأتون لأغراض تبتعد عن العبادة وتقترب من اللعب…
في نفس (أبو مصطفى) شيء تجاه الإمام الذي يتمتع بخامة صوت رائعة لا يمكن إلا أن يندرج تحت نطاق “حسد الأقران”. الجميع يمتدح صوت وأداء الإمام، وهذا يغيظ (أبو مصطفى) فهو الذي تعلّم القرآن لدى شيخ كبير وتولى إمامة المسجد لسنوات وما امتدحه أحد، كان يجب أن يبحث عن ثغرة ينفذ منها بعيدا عن أداء الإمام وصوته الذي لا يقبل الجدال… ومن يبحث يجد دائما… لكن المسألة انقلبت عليه وأصبحت ضده كشخص تعلّم القرآن ولم يستوعب الأوجه الكثيرة للقراءات…
بالقرب من محيط المسجد، الطرق مضاءة بأنوار زيتية عكف على إصلاحها عدد لا بأس به من المهندسين قبل أشهر قليلة وصبغها رمضان بألوانه الروحانية . لا يليق بهذه المدينة إلا النور، تبدو باسمة عندما تُضاء، منكسرة عندما تغرق في الظلام. مكبرات الصوت القادمة من المساجد تشنّف الأسماع بحناجر ذهبية تبعث أصواتا عذبة لا يملك معها السامع إلا أن يخشع لبلاغة وإعجاز قول الله المحكم… وكل جوارحه تردد ” سبحانك.. ما أعظمك يالله!”.