( 24 رمضان) ذكرى مقتل المتنبي
كتب / ناصر بامندود
الثلاثاء 2 ابريل 2024
هو من أحب الشخصيات التاريخية إلى قلبي
أعلم أنه ليس نبيًا، ولا صحابيًا، ولا عالمًا، ولا فاتحًا!
هو شاعرًا فحسب، وكان يقتت من شعره، وعلى قدر العطاء يكثر الثناء، والشعر آنذاك هو إعلام تلك العصور، وقرأت أنه كان شديد البخل، فكم أمقت صفة ” البخل ” وينحدر من عيني أي إنسانٍ به هذه الصفة.
ولا أقول بأنه شخصيتي التاريخية المفضلة فقبله يسبقه الكثيرون.
ولكن المتنبي كان لشعره شدّة التأثير على النفس، وبلاغة المعنى، والحكمة في الأبيات، وقوة اللفظ، وخلود القول.
وهو بحق شاعر العرب ما بعد الإسلام، فمن فرط عمق أبياتها لا زالت أبياته تقال منذُ حياته في العصر العباسي إلى يوم الناس هذا، المتنبي جعلني أردد أبياته كما يردد البعض الأغاني، وكم لمعت عيناي وأنا أرددها وأتاملها، فقد سطر كلمات حكيمات علقتني به كثيرًا، مرّت عليّ لحظات عجزت عن وصف شعور ما بداخلي، ووجدت وصفه ما بين أبيات المتنبي!
فهذا الرجل أوتي من فهم شعور النفس البشرية الشيء الكثير.
عاش 50 عامًا فقط، وخلد اسمه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، ومرّ أكثر من ألف عام على رحيله، ولا زال يذكر كل عام وكل يوم! ونحن على عتبات العيد كلها أيام وأحدث نفسي ببيتٍ المتنبي الذي قاله ذات عيد، وصارت لسان حالي في كل عيد: ” عيدٌ بأيةِ حالٍ عدت يا عيدُ”.
وأحب فيه الأنفة وشدة اعتززه بنفسه، وتفاخره بها والثناء عليها، وتقديره لها.
مات وفيًا لكلمات ثقيلات قالهن في قصيدته ” واحر قلباه ” وهو يودع سيف الدولة الحمداني في لحظاتٍ تملكه شعور الخذلان والحزن.
فلم يهرب من المواجهة ، ولم ينسحب من المعركة، وقاتل بشجاعة – والكثرة تغلب الشجاعة – وكان الموت وحده دون النكث بوصفه لنفسه، فقد قاتل خجلًا من أن يكذب في وصفه لنفسه :
” الخيل والليل والبيداء تعرفني .. والسيف والرمح والقرطاس والقلم “.
رحمك اللّه يا أبا الطيب، وغفر لك.