طُعم المليون
كتب / عبدالله حسن قاسم
الثلاثاء 30 ابريل 2024
رفع يديه إلى السماء ودعى بنبرة هي خليط بين الرجاء والانكسار: ” يارب … مليون ريال فقط .. سيحل جميع مشاكلي المادية”، مرّت الأيام تباعا، لم ينقطع الأمل، بقي تفكيره متمركزا حول الحصول على مليون ريال، ولا يهمّ كيف ولا من أين…. ! اشتغل الرجل ليلا ونهارا، رفع راية التقشف، لكن المبلغ الذي توفر تحت يده لم يصل حدود عُشر ما أراد… لا بأس! كان يعتقد أنه سيغتني ذات يوم، لكنه كان يغفل حقيقة أنّ الدنيا إذا منحت، تمنح بمقابل.
كانت أيام اللهث خلف حيازة المليون أياما سعيدة بكل تفاصيلها، فوجود هدف في حياة الإنسان مهما كانت مشقة تحقيقه يجعل حياته ذات معنى، ومن ناحية أخرى، لم يكن قد انغمس في حياة الثراء، فقد كان يشعر بسعادة غامرة حين يستلم أجرة عمله اليومي، يشتري منها طعاما وشرابا ثم يضعه بين يدي عائلته في لحظة تنسيه عناء الكد والتعب.
يا للدنيا! تتمنّع، تعاند، تتقلب، و في لحظة تعطي لكنه عطاء مشروط أو فخٌّ نصبته لك ..الدنيا متاهة لا تعلم لماذا تحرمك وأنت في قمة اشتهائك، ولِمَ تعطيك وقد تلاشت الرغبة، في حرمانها أو في عطائها لا أمان لها، فاحذر!
امتلأت خزينة صديقنا بالمليون بعد طول انتظار، فليست أجواء الحرب شرّا محضا على الجميع، وحدهم البسطاء، الأنقياء، الأوفياء، النبلاء أصحاب القناعة ضحايا الحروب، أما ما سواهم فالحرب تعني الفيد، المتاجرة بأشلاء البلد، السطو على حقوق الناس، التجارة الممنوعة، الحرب تعني لهؤلاء الثروة، لكنهم في ثرائهم على هذا النحو كالنبات الأخضر في الأرض القاحلة، والذي رغم نضارته لا تملك إلا أن تحتقره حين تعلم أن سبب اخضراره هو تغذيته من مياة المجاري!
بلع صديقنا طُعم المليون، لم يحل المليون مشاكله كما كان يتوهم، بل وسّع دائرتها إذ اتسع طموحه فأصبح مع هطول الملايين تتفتح في مخيلته مشاريع وتزيد حدود أطماعه…أضحت النقود على كثرتها عاجزة عن توفير تلك اللحظات السعيدة حين كان يشارك أسرته أجرة يومه، لقد طغى صخب الثراء!
وما قيمة المال إنْ كان لا يوفر لصاحبه راحة البال والطمأنينة والقناعة؟!