أليس لي مُلْكُ حضرمــــــــوتَ؟
تاربة_اليوم /
كتب / محمد احمد بالفخر
مازلت أتذكر تلك الزيارة التي قمنا بها في عام 1993 لمحافظ حضرموت الأستاذ صالح عباد الخولاني إلى منزله المتواضع في ديس المكلا وسط حيٍ شعبي يحيط به بسطاء الناس من كل جوانبه وكان ذوو الحاجة ينتظرون قدومه وخروجه في ذهابه وإيابه وما كان يرد أحداً،
واستمرّ في هذا المنزل حتى صدور قرار بإبعاده من حضرموت التي أحبّها وأحبّه معظم أبنائها،
وفي العام 2005م قُدّرَ لي زيارة قصر الحكم الذي بناه المحافظ الجديد في احدى المرتفعات الجبلية الاستراتيجية وعلى مساحة شاسعة وعلى مسافة ليست ببعيدة منه صرفت مساحات كثيرة أقيمت عليها هي الأخرى فللٌ وقصورٌ، فكان يبحث عن الجار قبل الدار،
وبالتالي لن يرى حواليه بيوتاً للبسطاء تذكره بالأيام الخوالي وأزقة صنعاء القديمة وسوق المِلح،
ولن يستطيع من له طلب الصعود الى تلك المرتفعات ومضيق طريق القصر تمكث فيه ثكنة حراسة عسكرية تحبس أنفاس المارّة من بعيد فكيف بمن يقترب منها،
تلك الزيارة لم تكن برغبتي وإنما أرغِمت عليها حرجاً لمرافقة بعض الشخصيات الزائرة للمكلا حينها في مهمة إنسانية وطلبوا زيارته فحُدِّدَ لهم موعداً قبل غروب الشمس فاستقبلهم في بهو القصر وجلسوا على الكراسي ليشاهدوا جمال منظر البحر المفتوح وأمواجه المتلاطمة والسفن لتي تمخر عبابه،
وتم تبادل حديث المجاملات وتحدّث عن المنجزات التي ترقى الى مستوى المعجزات كما اشارت اليها تلك اللوحة الاعلانية الكبيرة المنتصبة امام بوابة جامعة حضرموت وتم تبادل الابتسامات وارتشاف أقداحاً من الشاي مع نسمات الهواء العليل،
أما أنا فقد نظرت بعيداً إلى تلك البيوت الصغيرة في ذلك الحي الشعبي المكتظ بالسكان، وكيف تقاطر ساكنوه قبل سنتين على صناديق الاقتراع ليُسقِطوا البروليتاري من كان يسكن بجوارهم في نفس المربّع ويعطون أصواتهم لشخصٍ برجوازي على أمل نقلهم الى حياة رغيدة جديدة وخاصة أن الحاكم قد أختاره بعناية فائقة،
وأكاد أجزم أنهم لم يروه بعد ذلك الفوز الساحق الذي أوصله الى قبة البرلمان،
دققت كثيراً في ملامح الحاكم وخطرت على بالي غطرسة فرعونَ عندما قال (أليسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِي)
وكأنه يقول في نفسه أليس لك ملك حضرموت؟ وهذا البحر المفتوح من تحتي وهذه الدوائر الانتخابية اكتسحتها اكتساحاً ولم أترك سوى خمس دوائر لرفاق الصباء لزوم الديمقراطية الزائفة وليدعوا لي حيّاً وميتاً بأنني حافظٌ للود وذكريات وِرْد الرابطة ولتكون بمثابة خط رجعة إذا حصلت انتكاسة غير محسوبة،
وكما جاء بقرار غادر بعدها بقرار وشتّان بين القرارين ثم لحقه قرارٌ أبعده عن المشهد بعد حادثة بنت الصحن الشهيرة،
وخلفه في هذا القصر شخص آخر لم يمكث طويلاً ثمّ هاجر وقد ساهم هو في تهجيره وإخراجه من خلال مسرحية انتخابات هزيلة أعدّها واقتنع بها سيده. وجيء بالمنتخب الى نفس القصر ومكث فيه سنوات حتى جيء بالرابع ومكث حدود عامين إلى أن جاء الخامس ولم يكن بعيداً من أصابع الأول ومكث فترة بسيطة حتى أبعده أبو همّام ورجاله الذين صالوا وجالوا حدود عامٍ في هذه القصر وغيره من القصور فلم يستطيعوا تنظيفها من الطاقة السلبية المعشعشة في الزوايا، حتى حامت فوقهم طائرة مريم فتركوا الجمل بما حمل واتجهوا نحو الشِعاب والأودية والهضاب،
ثمّ جيء بالسادس فأصابه القصر المنيف بالصمرقع فاختلطت عليه الأمور وضاعت البوصلة فلم يعد يعرف حتى الاتجاهات الأربع.
وخلفه السابع لكنه أيضاً لم يتخلّص من الطاقة السلبية الساكنة رغم الإمكانيات والفرص الظاهرة والخفية ما تمكنه من الاستمرار أطول فترة زمنية،
لكنه أضاعها فتمكّن الآخرون من تحجيمه وتقويضه والانقضاض على ملكه الذي لم يدم طويلاً.
ثم جاء الثامن وهو من أتى به الأول ذات يومٍ الى المشهد السياسي في حين غفلة وتمكّن من القصر المشيد بقضه وقضيضه،
فهل سيتجاوز كل سلبيات من سبقوه ليصنع تاريخاً مجيداً لهذا القصر أم أن الغرور بداخله أيضاً ويقول بلسان المقال: اليس لي ملك حضرموت؟؟
خاتمة شعرية:
للشاعر حسين المحضار رحمه الله:
يا حصن مولى البناقل محلى ركونك
خيفان بعد الزوامل ينعق عليك الغراب
لي خرّبوا دار بَصْعَر با يخربونك
خذ عشر خذ خمستعشر لابُدّ لك من خراااااااب.
*المقالات التي يتم نشرها لا تعبر إلا عن رأي الكاتب فقط ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع*