ابحث في الموقع

إذاعة سيئون و “الأخضر برغيش”

إذاعة سيئون و “الأخضر برغيش”

( #تاربة_اليوم ) / كتابات وآراء
كتب : نبيل سعيد
26 سبتمبر 2023

اعتدت، بمعية زملائي في الثانوية، تقديم نشرة إخبارية أسبوعية في الطابور الصباحي. كانت نشرة موجزة لأبرز الفعاليات المدرسية، وكنَّا نختمها بفقرة الأخبار الرياضية لمراسلنا الميداني للملاعب، الزميل أسامة عوض السبايا، والذي بدوره كان يحاول حينها محاكاة الفقرة الرياضية لقناة MBC للمعلق الرياضي المغاربي الأخضر برغيش. ومع استحسان الإدارة والطلاب لذلك المحتوى الإخباري الذي كنت أتولى إعداده وتقديمه أسبوعياً، لفتت الإذاعة المدرسية في ثانوية الصبان بمدينة سيئون، العام 1996م الأنظار نحو مواهب الطلاب المتعددة، وأتذكر أن مدرس مادة القرآن الكريم (سوداني الجنسية) كان من بين أبرز المعجبين بهذا النشاط المدرسي.

الإذاعة المدرسية

كانت النشرة تتكون من 5 إلى 6 أخبار محلية ومدرسية، كنت أكتبها في المنزل وأحضرها صباحا إلى المدرسة لأوزعها على زملائي، بحيث يقرأ كل طالب خبرا واحداً، وكان ترتيب الفقرة الرياضية هو الأخير، وما إن ينتهي (السبايا) من تقديمها على طريقة مراسل MBC حتى يعج الطابور الصباحي بالتصفيق وسط تعالي الضحكات من الطلاب والابتسامات من المدرسين.
وفي يوم من الأيام، فاجأنا أستاذنا السوداني بزيارة للإذاعة المدرسية، حيث أثنى على المجهود الذي نقوم به، ووجهني بالالتحاق بإذاعة سيئون لصقل موهبة الإلقاء لديَّ. ومن هنا كانت بداية المشوار ونقطة الانطلاقة والتحول في حياتي على يد الاستاذ الفاضل عوض بافطيم، الذي كان حينها مدرساً لمادة اللغة الإنجليزية والتي كنت فاشلاً فيها، للأسف.

طائفة إعلانات

مشوار الـ 25 سنة من العشق لإذاعة سيئون بدأ يوم الخميس في مبنى الإذاعة القديم الكائن مكان (آل الكاف) بجانب مبنى الاتصالات سابقاً. وأتذكر يومها أن الزميل حسن دومان كان يقرأ (طائفة الإعلانات) المحلية التي يحرص كل بيت في وادي حضرموت على الاستماع إليها لمعرفة أحوال البلاد والعباد. وعندما نتحدث عن طائفة إعلانات إذاعة سيئون في تلك الأيام، فنحن نتحدث عن منصة تواصل اجتماعي متكاملة لأهالي وادي حضرموت، منصة كانت تضاهي في شهرتها نشرة أخبار هيئة الإذاعة البريطانية، قبل انتشار ما يُعرف اليوم بثورة التكنولوجيا والسوشل ميديا التي اكتسحت العالم وانتهكت الخصوصيات وجعلت من العالم قرية صغيرة، وأضحت معها الحياة بلا طعمٍ أحياناً، وبلا ملحٍ في أحايين أخرى.

على الهواء

أول مرة أدخل فيها استديو الإذاعة كنت مرتبكاً وكانت فرائصي ترتعد وأنا أرقب من نافذة زجاجية مدعمة، الأستاذ حسن دومان، وهو يقرأ طائفة إعلانات يوم الجمعة، إنها طائفة إعلانات إذاعة سيئون التي يستمع إليها عشرات الآلاف في البيوت وخاصة في يوم الجمعة حيث يكون عدد المستمعين والمتابعين مضاعفاً. يا إلهي! .. نبضات قلبي في تزايد مستمر وجبيني يتصبب عرقاً وأنا أرقب المذيع يتلو إعلانات الوفيات والمناسبات من على كرسي خشبي قديم أحمر اللون ما زلت أتذكره جيداً، ولا أدري ما سبب اختيار اللون الأحمر للكرسي العتيد حينها، بيد أنه كان من بقايا النجمة الحمراء التي ظلت ملامحها بادية إلى نهاية التسعينات. المهم أن هيبة الميكرفون جعلتني أحدث نفسي بالعدول عن فكرة اقتحام هذا المجال، غير أن عنفوان الشباب الذي بداخلي أبى أن ينكسر، ناهيك عن الدفء الذي كان يلف الأسرة الإعلامية حينها، التي احتوت جميع المبتدئين وذللت لهم الصعوبات، إذ كانت الإذاعة في ذلك الوقت أسرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

هنا سيئون

صدحت لأول مرة بعبارة (هنا سيئون) كمذيع ربط العام 1996م، وكانت المهام الموكلة إليّ تقتصر على الافتتاح بالقرآن الكريم والحديث الشريف ومن ثم استعراض الخارطة البرامجية، وفي عند انتهاء الدوام ينهي مذيع الربط البث بالسلام الوطني. ظللت على هذه الحال 6 اشهر تقريبا كمتدرب، وبقدر ما كانت المدة طويلة قليلا إلا أنها مهمة في مسيرة أي مذيع يريد أن يصقل مهارته، وأعتقد أن أحد أسباب ضعف مخرجاتنا الإعلامية هو تقديم عدد من الفرص الجاهزة للشباب دون التحلي بالمزيد من الصبر علاوة على عدم الاهتمام بالتثقيف الذاتي.
استهوتني البرامج الثقافية بسبب ميولي الأدبية، فقدمت عددا من هذه البرامج لعل أبرزها برنامج صفحات ثقافية الذي كان يعده الأستاذ الفاضل محمد علي باحميد، ثم برنامج مجلة الثقافة والأدب الذي يعده الشاعر والأديب الفاضل صالح سالم عمّير، وهو البرنامج الذي ما زال إلى اليوم موجوداً في الخارطة البرامجية للإذاعة لأكثر من عقدين من الزمن.ومن خلال الإذاعة تعرف على الوسط الثقافي في سيئون حينها، وأذكر أنني حضرت جانباً من فعاليات دار باكثير الأدبية نهاية التسعينيات وفي هذه المرحلة تعرفت على العديد من الأدباء والمثقفين أمثال الأديب الكبير الأستاذ سالم زين باحميد،رحمه الله، الذي لا أنسى له الفضل في التشجيع والتوجيه، كما جمعتني علاقة وطيدة بكل من: الباحث الأستاذ علي أحمد بارجاء،رحمه، الذي كان حينها رئيساً لشعبة سيئون لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وكذا بالأستاذ أحمد محفوظ بن زيدان، مدير عام إذاعة سيئون، والأستاذ هشام علي السقاف، مستشار الإذاعة. ومن خلال الاهتمام بأدب علي أحمد باكثير، تعرفت عن قرب على الأستاذ حسين علي الصبان الذي أسس ركناً خاصاً بمقتنيات الأديب الراحل في ثانوية باكثير للبنات بسيئون التي كان مديرا لها لعدة سنوات.

سنة أولى جامعة

كانت الإذاعة المتنفس الآمن لتفجير الطاقة الكامنة بين جوانح شاب حرمَ من اكمال دراسته الجامعية لظروف أسرية قاسية،وفي هذه المرحلة أدركت أن الحاجة باتت ملحة لصقل المهارات وتوسيع المدراك بإكمال التعليم، فالتحقت بكلية التربية بسيئون قسم اللغة العربية (2002-2006م) ثم أكملت الماجستير في كلية التربية بالمكلا العام 2010م تخصص أدب ونقد. وخلال هذه الفترة كنت شغوفاً بإسلوب الدكتور عمر علوي بن شهاب في إلقاء محاضراته على الطلاب، إذ كانت تلك المحاضرات موسوعة متكاملة من فنون الأدب والثقافة، إذ كنّا نتحلّق في حضرة الرجل، وكأن على رؤوسنا الطير، للاستماع إلى شرح المعلقات العشر حيث يطوف بنا في مرابع امرئ القيس و طَرَفة بن العبد و لبيد وعمرو بن كلثوم. ولا يختلف الشهابي ابن مدينة تريم، عن نظيره الدكتور الفاضل عبدالقادر باعيسى، ابن مدينة دوعن، في فصاحة اللسان وجميل الأسلوب وعذب الكلمات، فلهما كل الاحترام والتقدير.أما إذا أردت الاستماع إلى الشعر الحديث ورومانسية الكلمة وشعرية النص، فعليك الانصات إلى رجلين أثرا في حياتي أيضاً، هما الفاضلان د.أحمد سعيد عبيدون ود. سعيد سالم الجريري، والذين تعرفت من خلالهما على عالم الثنائيات وأساسيات علم البنيوية في الأدب، حتى يكون للقصيدة معنىً مختلف وللحرف طعم آخر.

رحلة العمر

هذه بإيجاز، رحلة عمري مع إذاعة سيئون في هذه العجالة، وكم أنا فخور برحلة العمر هذه طوال ما يزيد على 25 عاماً بأفراحها وأتراحها.

يَا رِحلَةَ العُمرِ هَل ضَلَّ الطَّريقُ بِنا؟
أحلَامُنَا صَدِئَتْ وَالرَّكبُ لَم يَصِلِ!

المادة بمناسبة الإصدار التذكاري الخاص باليوبيل الذهبي لاذاعة سيئون .

#اذاعة_سيئون_50عام

المقالات التي يتم نشرها لاتعبر بالضرورة عن سياسة الموقع بل عن رأي كاتبها فقط

إغلاق